الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

قال الإِمام البيضاوى فى وجه اتصال هذه الآية بما قبلها من آيات الصيام واعلم أنه - تعالى - لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم، مجيب لدعائهم، مجاز على أعمالهم تأكيداً له وحثاً عليه ". وروى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما أخرجه بن جرير وابن أبى حاتم أن أعرابياً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أقريب ربنا فنناجيه - أى ندعوه سرا - أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية. ومنها ما رواه ابن مردويه - بسنده - عن الحسن قال سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية. والمعنى وإذا سألك عبادى يا محمد عن قربى وبعدى فقل لهم إنى قريب منهم بعلمى ورحمتى وقدرتى وإجابتى لسؤالهم. قال - تعالى -وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أنه قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير. فقال النبى صلى الله عليه وسلم ايها الناس اربعوا على أنفسكم - أى أرفقوا بها - فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم، والذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ". فقوله - تعالى - { فَإِنِّي قَرِيبٌ } تمثيل لكمال علمه - تعالى - بأفعال عباده وأقوالهم، واطلاعه على سائر أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم إذ القرب المكانى محال على الله - تعالى -. وفى الآية الكريمة التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام، إلى خطاب النبى صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يجب عليهم مراعاته فى سائر عبادتهم من الإِخلاص والأدب والتوجه إلى الله وحده بالسؤال. ولم يصدر الجواب بقل أو فقل كما وقع فى أجوبة مسائلهم الواردة فى آيات أخرى، نحووَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } بل تولى - سبحانه - جوابهم بنفسه إشعاراً بفرط قربه منهم، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوى الحاجات. والمراد بالعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الحديث عنهم، ولأن سياق الآيات بيان أحكام الصوم وفضائله وهو خاص بالمؤمنين، وقد أضيفوا إلى ضمير الجلالة لتشريفهم وتكريمهم. وقوله - تعالى - { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } تقرير للقرب وتحقيق له، ووعد للداعى بالإِجابة متى صدر الدعاء من قلب سليم، ونفس صافية، وجوارح خاشعة، ولقد ساق لنا القرآن فى آيات كثيرة أمثلة لعباد الله الذين توجهوا إليه بالسؤال، فأجاب الله سؤالهم، ومن ذلك قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3