الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ ٱلْبِرَّ } اسم جامع لكل خير، ولكل طاعة وقرية يتقرب بها العبد إلى خالقه - عز وجل -. قال الراغب " البر - بفتح الباء - خلاف البحر، وتصور منه التوسع فاشتق منه البر - بكسر الباء - بمعنى التوسع فى فعل الخير، وينسب ذلك إلى الله - تعالى - تارة نحوإِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه، أى توسع فى طاعته فالبر من الله الثواب، ومن العبد الطاعة ". وتولية الوجوه قبل الشىء معناه التوجه إليه بجعل الوجه متجها إلى جهته فلفظ " قيل " بمعنى جهة وهو منصوب على الظرفية المكانية. و { ٱلْمَشْرِقِ } الجهة التى تشرق منها الشمس، والمغرب الجهة التى تغرب فيها. قال الإِمام الرازى اختلف العلماء فى أن هذا الخطاب عام أو خاص. فقال بعضهم أراد بقوله { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } أهل الكتاب لما شددوا فى الثبات على التوجه بنحو بيت المقدس فقال - تعالى - ليس البر هذه الطريقة ولكن البر من آمن بالله. وقال بعضهم بل المراد مخاطبته المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجه إلى الكعبة من حيث كانوا يحبون ذلك فخوطبوا بهذا الكلام وقال بعضهم بل هو خطاب للكل، لأن عند نسخ القبلة وتحويلها حصل من المؤمنين الاغتباط بهذه القبلة، وحصل منهم التشدد فى تلك القبلة حتى ظنوا أنه الفرض الأكبر فى الدين، فبعثهم الله - تعالى - بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات، وبين أن البر ليس بأن تولوا وجوهكم شرقاً وغرباً، وإنما البر. كيت وكيت. وهذا أشبه بالظاهر إذ لا تخصيص فيه، فكأنه - تعالى - قال ليس البر المطلوب هو أمر القبلة، بل البر المطلوب هو هذه الخصال التى عدها ". وهذا القول الثالث - الذى يرى أصحابه أن الخطاب للكل، والذى قال عنه الإِمام الرازى هذا أشبه بالظاهر - هذا القول، هو الذى تسكن إليه النفس، لأنه لا يوجد نص صحيح يخصص الخطاب لطائفة معينة من الناس ولأن المقصود من الآية الكريمة إنما هو إفهام الناس فى كل زمان ومكان أن مجرد تولية الوجه إلى قبلة مخصوصة ليس هو البر الكامل الذى يعنيه الإِسلام، وإنما البر الكامل يتأنى فى استجابة الإِنسان لتلك الخصال الشريفة التى اشتملت عليها الآية، تلك الخصال التى تجعل المستمسكين بها على صلة طيبة بخالقهم وعلى صلة طيبة بغيرهم، - كما سنبين ذلك عند تعليقنا على هذه الآية الكريمة -. والمعنى ليس البر - الذى هو كل طاعة يتقرب بها الإِنسان إلى خالقه - فى تولية الوجه عند الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب، وإنما البر الذى يجب الاهتمام به لأنه يؤدى إلى السعادة والفلاح - يكون فى الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفى انفاق المال فى وجوه الخير، وفى اتباع ما ذكرته الآية الكريمة من خصال جليلة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7