الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

الكتم والكتمان إخفاء الشىء قصداً مع تحقق الداعى إلى إظهاره. وقد تحدث القرآن - قبل هذه الآيات بقليل - فى قوله تعالى -إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ } عن المصير الأليم الذى توعد الله به أولئك الكاتمين لما أمر الله بإظهاره، وأعاد الحديث عن سوء عاقبتهم هنا لكى ينذرهم مرة بعد أخرى حتى يقلعوا عن هذه الرذيلة التى هى من أبشع الرذائل وأقبحها، ولكى يغرس فى قلوب الناس - وخصوصا العلماء - الشجاعة التى تجعلهم يجهرون بكملة الحق فى وجوه الطغاة لا يخافون لومة لائم، ويبلغون رسالات الله دون أن يخشوا أحداً سواه، ويبينون للناس ما أمرهم الله ببيانه بطريقة سليمة أمينة خالية من التحريف الكاذب، والتأويل الباطل. قال الإِمام الرازى قال ابن عباس نزلت هذه الآية فى رؤساء اليهود وأحبارهم. كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خافوا انقطاع تلك المنافع فكتموا أمره - عليه السلام - وأمر شرائعه فنزلت هذه الآية. ثم قال الإِمام الرازى والآية وإن نزلت فى أهل الكتاب لكنها عامة فى حق كل من كتم شيئاً من باب الدين يجب إظهاره، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ". والمراد بالكتاب، التوراة، أو جنس الكتب السماوية التى بشرت بالنبى صلى الله عليه وسلم. و { مِنَ } فى قوله { مِنَ ٱلْكِتَابِ } بمعنى فى أى يكتمون ما أنزل الله فى كتابه من صفة النبى صلى الله عليه وسلم ونعته ووقت بعثته. وقيل للبيان، وهى حال من العائد على الموصول والتقدير أنزل الله حال كونه من الكتاب والعامل فيه أنزل. وقوله { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } معطوف على يكتمون. أى يكتمون ما أنزل الله من الكتاب مما يشهد بصدق النبى صلى الله عليه وسلم ويأخذون من سفلتهم فى مقابل ذلك عرضاً قليلا من أعراض الدنيا. والضمير فى قوله { بِهِ } يعود إلى ما أنزل الله، أو إلى الكتمان الذى يدل عليه الفعل { يَكْتُمُونَ } أو إلى الكتاب. ووصف هذا الثمن الذى يأخذونه فى مقابل كتمانهم بالقلة، لأن كل ما يؤخذ فى مقابلة إخفاء شىء مما أنزله الله فهو قليل حتى ولو كان ملء الأرض ذهباً. وقوله - تعالى - { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فى بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ } وما عطف عليه، بيان للعذاب المهين الذى أعدلهم بسبب كتمانهم لما أمر الله بإظهاره وبيعهم دينهم بدنياهم. أى أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا ما يؤدى بهم إلى النار وبئس القرار كما قال - تعالى - فى حق أكله مال اليتامىإِنَّمَا يَأْكُلُونَ فى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } وفى هذه الجملة الكريمة تمثيل لحالة أولئك الكفار الحاصلة من أكلهم ذلك الثمن القليل.

السابقالتالي
2 3 4