الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ كُلُواْ } صيغة أمر واردة فى معنى الإِباحة. و { حَلاَلاً } ما أذن الله فى تناوله من مطعومات أو مشروبات. قال الرازى وأصله الذى هو نقيض العقد، ومنه حل بالمكان إذا نزل، لأنه حل شد الارتحال للنزول، وحل الدين إذا وجب لانحلال العقدة بانقضاء المدة، وحل من إحرامه، لأنه حل عقدة الإِحرام.. ثم قال واعلم أن الحرام قد يكون حراما لخبثه - فى ذاته - كالميتة والدم ولحم الخنزير، وقد يكون حراما لوصف عارض كملك الغير إذا لم يأذن فى أكله - فحرمته لتعلق حق الغير به - فالحلال هو الخالى عن هذين القيدين. { طَيِّباً } هو المستلذ المستطاب الذى تقبل عليه النفوس الطاهرة وتنبسط لتناوله، وإنما تنبسط النفوس الطاهرة لتناول طعام غير قذر ولا موقع فى تهلكة، إذ القذر ينفر منه الطبع السليم، والموقع فى تهلكة يمجه العقل القويم. و { من } فى قوله { مِمَّا فى ٱلأَرْضِ } للتبعيض، لأن بعض ما فى الأرض كالحجارة - مثلا - لا يؤكل، ولأنه ليس كل ما يؤكل يجوز أكله فلذلك قال { حَلاَلاً طَيِّباً.. }. وقوله { حَلاَلاً } مفعول به لقوله " كلوا " أو حال مما فى الأرض، أى كلوه حال كونه حلالا. أو صفة لمصدر محذوف، أى كلوه أكلا حلالا. وقوله { طَيِّباً } صفة مقررة ومؤكدة لمعنى يستفاد من قوله { حَلاَلاً } وهو طهارة المأكول وخلوه من القذارة، وعدم إيقاعه فى ضرر. قال الآلوسى " وفائدة وصف الحلال بالطيب تعميم الحكم كما فى قوله - تعالى -وَمَا مِن دَآبَّةٍ فى ٱلأَرْضِ } ليحصل الرد على من حرم بعض الحلالات فإن النكرة الموصوفة بصفة عامة تعم، بخلاف غير الموصوفة ". والمعنى يأيها الناس لقد أباح الله لكم أن تأكلوا من كل ما تحويه الأرض من المطعومات التى أحلت لكم، والتى تستلذها النفوس الكريمة، والقلوب الطاهرة، فتمتعوا بهذه الطيبات فى غير سرف أو غرور، واشكروا الله - تعالى - على ما رزقكم من نعم. ولقد أمر الله عباده فى كثير من الآيات أن يتمتعوا بما أحله لهم من طيبات ومن ذلك قوله - تعالى -قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وفى صحيح مسلم عن عياض المجاشعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم فى خطبته " ألا إن ربى أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنى، يومى هذا. يقول الله - تعالى - كل ما نحلته - أى منحته - عبادى فهو لهم حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطاناً.. "

السابقالتالي
2 3 4