الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

{ أَندَاداً } جمع ند، وهو مثل الشىء الذى يضاده وينافره ويتباعد عنه. وأصله من ند البعير يند نداً ونداداً وندوداً، أى نفر وذهب على وجهه شارداً. ويرى بعض العلماء أن المراد بالأنداد هنا الأصنام التى اتخذها المشركون آلهة للتقرب بها إلى الله، وقيل المراد بها الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم فيما يحلونه لهم ويحرمونه عليهم. والأولى أن يكون المراد بهذه الأنداد كل مخلوق أسند إليه أمر اختص به الله - تعالى - من نحو التحليل، والتحريم وإيصال النفع وغير ذلك من الأمور التى انفرد بها الخالق - عز وجل -. والمعنى أن من الناس من لا يعقل تلك الآيات التى دلت على وحدانية الله وقدرته، وبلغت بهم الجهالة أنهم يخضعون لبعض المخلوقات خضوعهم لله بزعم أنها مشابهة ومماثلة ومناظرة له - سبحانه - فى النفع والضر، ويحبون تعظيم تلك المخلوقات وطاعتها والتقرب إليها والانقياد لها حبا يشابه الحب اللازم عليهم نحو الله - تعالى - أو يشابه حب المؤمنين لله، و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم و { مِنَ } فى قوله { مَن يَتَّخِذُ } فى محل رفع مبتدأ مؤخر، و " من دون الله، حال من ضمير يتخذ و { أَندَاداً } مفعول به ليتخذ. قال الجمل وجملة { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } فيها ثلاثة أوجه أحدها أن تكون فى محل رفع صفة لمن فى أحد وجهيها، والضمير المرفوع يعود عليها باعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ فى يتخذ. والثانى أن تكون فى محل نصب صفة لأنداداً والضمير المنصوب يعود عليهم والمراد بهم الأصنام، وإنما جمعوا جمع العقلاء لمعاملتهم معاملة العقلاء. أو أن يكون المراد بهم من عبد من دون الله عقلاء وغيرهم ثم غلب العقلاء على غيرهم. الثالث أن تكون فى محل نصب على الحال من الضمير فى يتخذ، والضمير المرفوع عائد على ما عاد عليه الضمير فى يتخذ وجمع حملا على المعنى ". ثم مدح - سبحانه - عبادة المؤمنين فقال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ }. أى والذين آمنوا وأخلصوا لله العبادة أشد حباً له - سبحانه - من كل ما سواه، ومن حب المشركين للأنداد، ذلك لأن حب المؤمنين لله متولد عن أدلة يقينية، وعن علم تام، ببديع حكمته - سبحانه - وبالغ حجته، وسعة رحمته، وعدالة أحكامه، وعزة سلطانه، وتفرده بالكمال المطلق، والحب المتولد عن هذا الطريق يكون أشد من حب المشركين لمعبوداتهم لأن حب المشركين لمعبوداتهم متولد عن طريق الظنون والأوهام والتقاليد الباطلة. والتصريح بالأشدية فى قوله { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أبلغ من أن يقال أحب لله؟ إذ ليس المراد الزيادة فى أصل الفعل - كما يقول الآلوسى - بل المراد الرسوخ والثبات.

السابقالتالي
2 3 4