الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } معطوف على قولهإِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا } عطف القصة على القصة، والجامع - كما قال الآلوسى - أن الأولى - وهى قولهإِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } مسوقة لإِثبات نبوة النبى صلى الله عليه وسلم وجملة { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لإِثبات وحدانية الله - تعالى -. والإِله فى كلام العرب هو المعبود مطلقاً ولذلك تعددت الآلهة عندهم. والمراد به فى الآية الكريمة المعبود بحق بدليل الإِخبار عنه بأنه واحد. والمعنى وإلهكم الذى يستحق العبادة والخضوع إله واحد فرد صمد، فمن عبد شيئاً دونه، أو عبد شيئاً معه، فعبادته باطلة فاسدة، لأن العبادة الصحيحة هى ما يتجه بها العابد إلى المعبود بحق الذى قامت البراهين الساطعة على وحدانيته وهو الله رب العالمين. قال بعضهم " والإِخبار عن إلهكم بإله تكرير ليجرى عليه الوصف بواحد، والمقصود وإلهكم واحد لكنه وسط إله بين المبتدأ والخبر لتقرير معنى الألوهية فى المخبر عنه، كما تقول عالم المدينة عالم فائق، وليجيئ ما كان أصله خيراً مجئ النعت فيفيد أنه وصف ثابت للموصوف لأنه صار نعتاً، إذ أصل النعت أن يكون وصفاً ثابتاً، وأصل الخبر أن يكون وصفاً حادثاً، وهذا استعمال متبع فى فصيح الكلام أن يعاد الاسم أو الفعل بعد ذكره ليبنى عليه وصف أو متعلق كقولهوَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } وجملة { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مقررة لما تضمنته الجملة السابقة من أن الله واحد لا شريك له، ونافية عن الله - تعالى - الشريك صراحه، ومثبتة له مع ذلك الإِلهية الحقة، ومزيحة لما عسى أن يتوهم من أن فى الوجود إلهاً سوى الله - تعالى - لكنه لا يستحق العبادة. ومعناها إن الله إله، وليس شىء مما سواه بإله. وهذه الجملة الكريمة خبر ثانى للمبتدأ وهو إلهكم أو صفة أخرى للخبر وهو إله وخبر لا محذوف أى لا إله موجود إلا هو، والضمير هو فى موضع رفع بدل من موضع لامع اسمها. وقوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } خبر مبتدأ محذوف، وقيل غير ذلك من وجوه الإِعراب. والمعنى وإلهكم الذى يستحق العبادة إله واحد، لا إله مستحق لها إلا هو، هو الرحمن الرحيم. أى المنعم بجلائل النعم ودقائقها، وهو مصدر الرحمة، ودائم الإِحسان. وأتى - سبحانه - بهذين اللفظين فى ختام الآية، لأن ذكر الإِلهية والوحدانية يحضر فى ذهن السامع معنى القهر والغلبة وسعة المقدرة وعزة السلطان، وذلك مما يجعل القلب فى هيبة وخشية، فناسب أن يورد عقب ذلك ما يدل على أنه مع هذه العظمة والسلطان، مصدر الإِحسان ومولى النعم، فقال { ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } وهذه طريقة القرآن فى الترويح على القلوب بالتبشير بعد ما يثير الخشية، حتى لا يعتريها اليأس أو القنوط.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7