الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } * { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته وصادفته وكان قريباً منك. والمصدر اللقاء واللقى واللقية. والمقصود استقبلوهم وكانوا فى مواجهتهم وقريبا منهم. ومرادهم بقولهم " آمناً " أخلصنا الإِيمان بقلوبنا لأن الإِقرار باللسان معلوم منهم. وإذا خلوا إلى شياطينهم، أى انفردوا مع رؤسائهم وقادتهم المشبهين الشياطين فى تمردهم وعنوهم وصدهم عن سبيل الحق. يقال خلابه وإليه ومعه، خلوا وخلاء وخلوة سأله أن يجتمع به فى خلوة ففعل وأخلاه معه. أو المعنى وإذا مضوا وذهبوا إلى شياطينهم، يقال خلا بمعنى مضى وذهب، ومنه قوله تعالىقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أى مضت. وعبر عن حالهم مع المؤمنين بالملاقاة، وعن حالهم مع الشياطين بالخلوة إيذانا بأن هؤلاء المنافقين لا أنس لهم بالمؤمنين، ولا طمأنينة منهم إليهم فهم لا يجالسونهم ولا يسامرونهم، وإنما كل ما هنالك أن يلقوهم فى عرض طريق، أما شأنهم مع شياطينهم فهم إليهم يركنون، وإليهم يتسامرون ويتحادثون، لذلك هم بهم يخلون. والمعية فى قولهم { إِنَّا مَعَكُمْ } ، المراد منها موافقتهم فى دينهم، وأكدوا ما خاطبوا به شياطينهم بحرف التأكيد، إذ قالوا { إِنَّا مَعَكُمْ } ليزيلوا ما قد يجرى فى خراطرهم من أنهم فارقوا دينهم وانقلبوا إلى دين الإِسلام بقلوبهم. ولم يؤكدوا ما خاطبوا به المؤمنين، إذ قالوا لهم { آمَنَّا } ولم يقولوا " إنا آمنا " ليوهموهم أنهم بمرتبة لا ينبغى أن يترددوا فى إيمانهم حتى يحتاجوا إلى تأكيد. وقوله - تعالى - حكاية عنهم { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }. وارد مورد الجواب عما قد يعترض به عليهم شياطينهم إذا قالوا لهم كيف تدعون أنكم معنا مع أنكم توافقون المؤمنين فى عقيدتهم وتشاركونهم فى مظاهر دينهم؟ فكان جوابهم عليهم { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } والاستهزاء السخرية والاستخفاف بالغير، يقال هزأ منه وبه - كمنع وسمع - واستهزأ به، أى سخر. والمعنى إننا نظهر للمؤمنين الموافقة على دينهم استخفافاً بهم وسخرية منهم، لا أن ذلك صادر منا عن صدق وإخلاص. ثم بين - سبحانه - موقفه منهم فقال { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ }. حمل بعض العلماء استهزاء الله بهم على الحقيقة وإن لم يكن من أسمائه المستهزئ، لأن معناه يحتقرهم على وجه شأنه أن يتعجب منه، وهذا المعنى غير مستحيل على الله، فيصح إسناده إليه - تعالى - على وجه الحقيقة. ويرى جمهور العلماء أن الاستهزاء لا ينفك عن التلبيس كأن يظهر المستهزئ استحسان الشىء وهو فى الواقع غير حسن، أو يقر المستهزأ به على أمر غير صواب، وهذا المعنى لا يليق بجلال الله، فيجب حمل الاستهزاء المسند إليه تعالى على معنى يليق بجلاله، فيحمل على ما يلزم على الاستهزاء من الانتقام والعقوبة والجزاء المقابل لاستهزائهم، وسمى ذلك استهزاء على سبيل المشاكلة كما فى قوله تعالى

السابقالتالي
2 3