الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

قال الآلوسى بعد أن أشار - سبحانه - فيما تقدم إلى الجهاد عقب ذلك ببيان معالج الحج، فكأنه جمع بين الحج والغزو، وفيهما شق الأنفس وتلف الأموال. وقيل لما ذكر الصبر عقبه ببحث الحج لما فيه من الأمور المحتاجة إليه ". و { ٱلصَّفَا } فى اللغة الحجر الأملس، مأخوذ من صفا يصفو إذا خلص، واحده صفاة فهو مثل حصى وحصاة ونوى ونواة. و { ٱلْمَرْوَةَ } فى أصل اللغة الحجر الأبيض اللين، وقيل الحصاة الصغيرة. وهما - أى الصفا والمروة - قد جعلا علمين لجبلين معروفين بمكة كانا على بعد ما يقرب من ألف ذراع من المسجد الحرام. والألف واللام فيهما للتعريف لا للجنس. ومع توسعة المسجد الحرام صارا متصلين به. و { شَعَآئِرِ } جمع شعيرة، من الإِشعار بمعنى الإِعلام، ومنه قولك شعرت بكذا، أى علمت به. وكون الصفا والمروة من شعائر الله، أى أعلام دينه ومتعبداته. تعبدنا الله بالسعى بينهما فى الحج والعمرة. وشعائر الحج معالمه الظاهرة للحواس، التى جعلها الله أعلاما لطاعته، ومواضع نسكه وعباداته، كالمطاف والمسعى والموقف والمرمى والمنحر. وتطلق الشعائر على العبادات التى تعبدنا الله بها فى هذه المواضع، لكونها علامات على الخضوع والطاعة والتسليم لله - تعالى -. وأكدت الجملة الكريمة بأن لأن بعض المسلمين كانوا مترددين فى كون السعى بين الصفا والمروة من شعائر الله، وكانوا يظنون أن السعى بينهما من أحوال الجاهلية، كما سنبين بعد قليل. وقوله { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } تفريع على كونهما من شعائر الله وأن السعى بينهما فى الحج والعمرة من المناسك. والحج لغة القصد مطلقاً أو إلى معظم. وشرعا القصد إلى البيت الحرام فى زمان معين بأعمال مخصوصة. و { ٱعْتَمَرَ } أى زار. والعمرة الزيارة مأخوذة من العمارة كأن الزائر يعمر البيت الحرام بزيارته. وشرعا الزيارة لبيت الله المعظم بأعمال مخصوصة وهى الإِحرام والطواف والسعى بين الصفا والمروة. و { جُنَاحَ } - بضم الجيم - الإِثم والحرج مشتق من جنح إذا مال عن القصد، وسمى الإِثم به للميل فيه من الحق إلى الباطل. و { يَطَّوَّفَ } أصلها يتطوف، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت فى الطاء فصارت " يطوف والتطوف بالشىء كالطواف به، ومعناه الإِلمام بالشىء والمشى حوله. وقد فسر النبى - صلى الله عليه وسلم - الطواف بالنسبة للكعبة بالدوران حولها سبعة أشواط. وفسره بالنسبة للصفا والمروة بالسعى بينهما سبعة أشواط كذلك. و " من " فى قوله { فَمَنْ حَجَّ } شرطية، " وحج " فى محل جزم بالشرط، و { ٱلْبَيْتَ } منصوب على المفعولية، وجملة { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } جواب الشرط. والمعنى إن الصفا والمروة من شعائر الله، أى من المواضع التى يقام فيهما أمر من أمور دينه وهو السعى بينهما { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } أى قصده بالأفعال المعينة التى شرعها الله { أَوِ ٱعْتَمَرَ } أى أتى بالعمرة كما بينتها تعاليم الإِسلام " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " أى فلا إثم ولا حرج ولا مؤاخذة عليه فى الطواف بهما، لأنهما مطلوبان للشارع، ومعدودان من الطاعات.

السابقالتالي
2 3 4