الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

الصبر حبس النفس على احتمال المكاره، وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع. والمعنى يامن آمنتم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى فعل الطاعات وترك المعاصى، وعلى احتمال المكاره التى تجرى بها الأقدار، استعينوا على كل ذلك بالصبر الجميل وبالصلاة المصحوبة بالخشوع والإِخلاص والتذلل للخالق - عز وجل - فإن الإِيمان الذى خالط قلوبكم يستدعى منكم القيام بالمصاعب، واحتمال المكاره، ولقاء الأذى من عدو أو سفيه، ولن تستطيعوا أن تتغلبوا على كل ذلك إلا بالصبر والصلاة. ولقد استجاب النبى صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه الربانى، وتأسى به أصحابه فى ذلك، فقد أخرج الإِمام أحمد - بسنده - عن حذيفة بن اليمان " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى " أى إذا شق عليه أمر لجأ إلى الصلاة لله رب العالمين. وافتتحت الآية الكريمة بالنداء، لأن فيه إشعاراً بخبر مهم عظيم، فإن من شأن الأخبار العظيمة التى تهول المخاطب أن يقدم قبلها ما يهئ النفس لقبولها لتستأنس بها قبل أن تفجأها. ولعل مما يشهد بأفضلية هذه الأمة على غيرها من الأمم، أن الله - تعالى - قد أمر بنى إسرائيل فى السورة نفسها بالاستعانة بالصبر والصلاة فقال { ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } إلا أنه - سبحانه - قال لهموَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } ليشعرهم بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال، ولم يقل - سبحانه - للمؤمنين ذلك فى الآية التى معنا، للإِيماء إلى أنهم قد يسر لهم ما يصعب على غيرهم، وأنهم هم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك. وقوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } بيان لحكمة الاستعانة بالصبر وهو الفوز والنصر. أى إن الله مع الصابرين بمعونته ونصره، وتوفيقه وتسديده فهى معية خاصة، وإلا فهو - سبحانه - مع جميع خلقه بعلمه وقدرته. وقال - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } ولم يقل " مع المصلين " لأن الصلاة المستوفية لأركانها وسننها وخشوعها لا تتم إلا بالصبر، فالمصلون بحق داخلون فى قوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }. ولم يقل " معكم " ليفيد أن معونته إنما تمدهم إذا صار الصبر وصفا لازما لهم. قال الأستاذ الإِمام إن من سنة الله - تعالى - أن الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار، وهذا إنما يكون بالصبر، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه، لأنه - سبحانه - جعل هذا الصبر سبباً للظفر، إذ هو يولد الثبات والاستمرار الذى هو شرط النجاح، ومن لم يصبر فليس الله معه، لأنه تنكب سنته، ولن يثبت فيبلغ غايته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7