الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

قوله - تعالى - { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ }.. إلخ متصل بما قبله، والكاف للتشبيه وهى فى موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف وما مصدرية، والتقدير لقد حولت القبلة إلى شطر المسجد الحرام لأتم نعمتى عليكم إتماماً مثل إتمام نعمتى عليكم بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم فيكم، إجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل إذ قالارَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ... } وقيل إن قوله - تعالى - { كَمَآ أَرْسَلْنَا }.. إلخ متصل بما بعده، فتكون الكاف للمقابلة، أى كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعلمكم الدين القويم، والخلق المستقيم ومنحتكم هذه النعمة فلا منى وكرماً، فاذكرونى بالشكر عليها أذكركم برحمتى وثوابى. وقوله { فِيكُمْ } متعلق " بأرسلنا " وقدم على المفعول تعجيلا بإدخال السرور وقوله { مِّنْكُمْ } فى موضع نصب، لأنه صفة لقوله { رَسُولاً } والمخاطبون بهذه الآية الكريمة هم العرب. وفى إرساله الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم وهو منهم نعمة تستوجب المزيد من الشكر، لأن إرساله منهم يسبقه معرفتهم لنشأته الطيبة وسيرته العطرة، ومن شأن هذه المعرفة أن تحملهم على المسارعة إلى تصديقه والإِيمان به، ولأن فى إرساله فيهم وهو منهم شرف عظيم لهم، ومجد لا يعد له مجد، حيث جعل - سبحانه - خاتم رسله من هذه الأمة، ولأن المشهور من حالهم الأنفة الشديدة من الانقياد، فكون الرسول منهم ادعى إلى إيمانهم به وقبولهم لدعوته. وقوله { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } صفة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم. والتلاوة ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام متسق، وأصله من الإِتباع ومنه تلاه، أى تبعه. والمراد من الآيات آيات القرآن الكريم، وتلاوتها قراءتها، فإن البصير بأساليب البيان العربى يدرك من مجرد تلاوة آيات القرآن كيف ارتفع إلى الذروة التى كان بها معجزة ساطعة. وفى هذه الجملة - كما قال الآلوسى - " إشارة إلى طريق إثبات نبوته - عليه الصلاة والسلام - لأن تلاوة الأمى للآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الإِخبار بالمغيبات والمصالح التى ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته " وعبر بقوله { يَتْلُواْ } ، لأن نزول القرآن مستمر، وقراءة النبى صلى الله عليه وسلم له متوالية، وفى كل قراءة يحصل علم المعجزات للسامعين. ويجوز أن يراد بالآيات دلائل التوحيد والنبوة والبعث، وبتلاوتها التذكير بها حتى يزداد المؤمنون إيماناً بصدقها. وقوله { وَيُزَكِّيكُمْ } صفة ثالثة للرسول صلى الله عليه وسلم، أى ويطهركم من الشرك، ومن الأخلاق الذميمة. وإذا أشرقت النفوس بنور الحق، وتحلت بالأخلاق الحميدة، قوبت على تلقى ما يرد عليها من الحقائق السامية. وقوله { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } صفة رابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4