الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

المعنى ولئن جئت - يا محمد - اليهود ومن على طريقتهم فى الكفر بكل برهان وحجة، بأن الحق هو ما جئتهم به، من فرض التحول من قبلة بيت المقدس فى الصلاة إلى قبلة المسجد الحرام، ما صدقوا به، لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة يزيلها الدليل، وإنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما فى كتبهم من أنك على الحق المبين. وما أنت - يا محمد - بتابع قبلتهم، لأنك على الهدى وهم على الضلال وفى هذه الجملة الكريمة حسم لأطماعهم، وتقرير لحقية القبلة إلى الكعبة، بعد أن أشاعوا بأن النبى صلى الله عليه وسلم لو ثبت على قبلتهم لكانوا يرجون أنه النبى المنتظر، فقطع القرآن الكريم آمالهم فى رجوع النبى صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، وأخبر بأنه ليس يتابع لها. ثم ذكر القرآن الكريم اختلاف أهل الكتاب فى القبلة، وأن كل طائفة منهم لا تتبع قبلة الطائفة الأخرى فقال تعالى { وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } أى ما اليهود بمتبعين لقبلة النصارى ولا النصارى بمتبعين لقبلة اليهود، فهم مع اتفاقهم على مخالفتك، مختلفون فى باطلهم وذلك لأن اليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى تستقبل مطلع الشمس. ثم ساق القرآن الكريم بعد ذلك تحذيراً للأمة كلها من اتباع أهل الكتاب، وجاء هذا التحذير فى شخص النبى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }. أى لئن اتبعت - يا محمد - قبلتهم - على سبيل الفرض، والتقدير من بعد وضوح البرهان وإعلامى إياك بإقامتهم على الباطل، إنك إذاً لمن الظالمين لأنفسهم، المخالفين لأمرى. فالآية الكريمة وعيد وتحذير للأمة الإِسلامية من اتباع آراء اليهود المنبعثه عن الهوى والشهوة، وسيق الوعيد والتحذير فى صورة الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم الذى لا يتوقع منه أن يتبع أهواء أهل الكتاب، تأكيداً للوعيد والتحذير، فكأنه يقول لو اتبع أهواءهم أفضل الخليقة، وأعلاهم منزلة عندى، لجازيته مجازاة الظالمين، وأحق بهذه المجازاة وأولى من كانوا دونه فى الفضل وعلو المنزلة إن اتبعوا أهواء المبطلين وهم اليهود ومن كان على شاكلتهم من المشركين. قال صاحب الكشاف " فإن قلت كيف قال وما أنت بتابع قبلتهم ولهم قبلتان، لليهود قبلة وللنصارى قبلة؟. قلت كلتا القبلتين باطلة، مخالفة لقبلة الحق، فكانت بحكم الاتحاد فى البطلان قبلة واحدة ". - ثم بين القرآن الكريم أن أهل الكتاب يعرفون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة لا يخالطها شك فقال تعالى { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ }. أى أن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون صدق رسالة النبى صلى الله عليه وسلم ويعرفون أن توجهه إلى البيت الحرام حق، كما يعرفون أبناءهم فهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية، بالمعرفة الحسية فى أن كلا متهما يقين لا اشتباه فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5