الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

تضمنت هذه الآيات الكريمة إعلام النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن فريقاً من الناس الذين خفت أحلامهم وضعفت عقولهم وعدلوا عما ينفعهم إلى ما يضرهم، سيقولون على سبيل الإِنكار عند تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، ما صرفهم عن القبلة التى كانوا عليها، وهى بيت المقدس. قال صاحب الكشاف " فإن قلت، أى فائدة فى الإِخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت فائدته أن مفاجأة المكروه أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع، لما يتقدمه من توطين النفس، وأن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه ". والمراد بالسفهاء اليهود الذين استنكروا تحويل القبلة، ومن لف لفهم من المنافقين ومشركى العرب. وإنما سماهم الله - تعالى - سفهاء لأنهم سفهوا الحق، وجحدوه، وأنكروا نبوة النبى صلى الله عليه وسلم مع علمهم بصدقه فى رسالته. وقد صرح البخارى - رحمه الله - بأن المراد بالسفهاءهم اليهود، فقد روى عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه إلى الكعبة، فأنزل الله - تعالى - { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في ٱلسَّمَآءِ } فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود - ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها. ثم لقن الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يخرس به ألسنة المعترضين من اليهود وغيرهم، فقال تعالى { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }. أى قل لهم - يا محمد - إذا اعترضوا على التحويل إن الأمكنة كلها لله ملكاً وتصرفاً وهى بالنسبة إليه متساوية، وله أن يخص بعضها بحكم دون بعض، فإذا أمرنا باستقبال جهة فى الصلاة فلحكمة اقتضت الأمر وما على الناس إلا أن يمتثلوا أمره، والمؤمنون ما اتخذوا الكعبة قبلة لهم إلا امتثالا لأمر ربهم، لا ترجيحاً لبعض الجهات من تلقاء أنفسهم فالله هو الذى يهدى من يشاء هدايته، إلى السبيل الحق، فيوجه إلى بيت المقدس مدة حيث اقتضت حكمته ذلك، ثم إلى الكعبة، حيث يعلم المصلحة فيما أمر به. - ثم وصف الله - تعالى - الأمة الإِسلامية، بأنها أمة خيرة عادلة مزكاة بالعلم والعمل فقال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }. والمعنى ومثل ما جعلنا قبلتكم - أيها المسلمون - وسطاً لأنها البيت الحرام الذى هو المثابة للناس، والأمن لهم، جعلناكم - أيضاً - { أُمَّةً وَسَطاً } أى خياراً عدولا بين الأمم ليتحقق التناسب بينكم وبين القبلة التى تتوجهون إليها فى صلواتكم، تشهدون على الأمم السابقة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة، ونصحوهم بما ينفعهم، ولكى يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم عليكم بأنكم صدقتموه وآمنتم به.

السابقالتالي
2 3 4