الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } * { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } * { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال " قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا - يا محمد - تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله - عز وجل - { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }. ومعنى الآية الكريمة وقالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم وللمسلمين اتركوا دينكم واتبعوا ديننا تهتدوا وتصيبوا طريق الحق. وقالت النصارى مثل ذلك قل لهم - يا محمد - ليس الهدى فى اتباع ملتكم، بل الحق فى أن نتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، فاتبعوا أنتم - يا معشر أهل الكتاب - ما اتبعناه لتكونوا حقاً سالكين ملة إبراهيم الذى لا تنازعون فى هداه. وقوله تعالى { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } حكاية لما زعمه كل من فريقى اليهود والنصارى من أن الهدى فى اتباع ملتهم. وأو للتنويع، أى قال اليهود لغيرهم لا دين إلا اليهودية ولا يتقبل الله سواها، فاتبعوها تهتدوا. وقال النصارى لغيرهم كونوا نصارى تهتدوا، إلا أن القرآن الكريم ساق هذا المعنى بقوله { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } لمعرفة السامع أن كل فريق منهم يكفر الآخر، ويعد ديانته باطلة، كما حكى القرآن عنهم ذلك فى قوله تعالىوَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } ثم لقن الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم الرد الملزم لهم، فقال تعالى { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }. الملة الدين، والحنيف فى الأصل المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق ووصف به إبراهيم - عليه السلام - لميله عن الأديان الباطلة التى كانت موجودة فى عهده إلى الدين الحق الذى أوحى الله به إليه. وذهب بعض المفسرين إلى أن حنيفاً من الحنف وهو الاستقامة. قال الإِمام الرازى " لأهل اللغة فى الحنيف قولان الأول أن الحنيف هو المستقيم، ومنه قيل للأعرج أحنف تفاؤلا بالسلامة، كما قالوا للديغ سليم وللمهلكة مفازة، قالوا فكل من أسلم لله ولم ينحرف عنه فى شىء فهو حنيف، وهو مروى عن محمد بن كعب القرظى. الثانى أن الحنيف المائل، لأن الأحنف هو الذى يميل كل واحد من قدميه إلى الأخرى بأصابعها. وتحنف إذا مال، فالمعنى إن إبراهيم - عليه السلام - حنف إلى دين الله، أى مال إليه، فقوله { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } أى مخالفاً لليهود والنصارى. والمعنى قل يا محمد لليهود ليس الهدى فى أن نتبع ملتكم، بل الهدى فى أن نتبع ملة إبراهيم المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق، والذى ما كان من المشركين بأى صورة من صور الشرك ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد