الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } * { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } معناه لا أحد من الناس يكره ملة إبراهيم وينصرف عنها إلى الشرك بالله، إلا من امتهن نفسه، واستخف بها وظلمها بسوء رأيه حيث ترك طريق الحق إلى طريق الضلالة. يقال رغب فى كذا إذا أراده، ورغب عن كذا إذا كرهه وانصرفت عنه نفسه والملة فى الأصل الطريقة، وغلب إطلاقها على أصول الدين من حيث إن صاحبها يصل عن طريقها إلى دار السلام وسفه نفسه امتهنها واستخف بها. ثم بين الله - تعالى - منزلة نبيه إبراهيم - عليه السلام - وخطأ من يرغب عن طريقته المثلى فقال تعالى { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فى ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أى ولقد اخترناه للرسالة وهداية الناس وإرشادهم فى الدنيا، وإنه فى الآخرة لمن الصالحين المستقيمين على الطريقة المثلى. فمن يرغب عن ملة من هذا شأنه إلى غيرها من طرق الضلال لا يماثله أحد فى سفهه وسوء رأيه. ثم بين الله تعالى كمال استقامة إبراهيم التى رفعته إلى المنازل العليا فقال تعالى { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى اصطفى الله - تعالى - إبراهيم لأنه أمره بطاعته وإسلام وجهه إليه فى كل حال فبادر إلى الامتثال وقال { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى أخلصت دينى لله الذى فطر الخلق جميعاً. كما حكى عنه القرآن الكريم نحو هذا القول فى قوله تعالىإِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وبعد أن بين الله - تعالى - إن إبراهيم - عليه السلام - كان كاملا فى نفسه، أتبع ذلك ببيان أنه كان - أيضاً - يعمل على تكميل غيره، ودعوته إلى توحيد الله تعالى. فقال - سبحانه - { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }. الضمير فى " بها " يعود إلى الملة ذكرت قبل ذلك فى قوله تعالى { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } والمعنى ووصى إبراهيم بنيه باتباع ملته ويعقوب كذلك أوصى بنيه باتباعها، فقال كل منهما لأبنائه يا بنى إن الله اصطفى لكم دين الإِسلام، الذى لا يقبل الله دينا سواه { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } أى فاثبتوا على الإِسلام. واستقيموا على أمره حتى يدرككم الموت وأنتم مقيمون على هذا الدين الحنيف. ثم أنكر القرآن الكريم على اليهود افتراءهم على يعقوب وزعمهم أنه كان على اليهودية التى أقاموا عليها تاركين دين الإِسلام فقال تعالى { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي }. روى أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية، فنزلت هذه الآية الكريمة.

السابقالتالي
2 3 4