الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

قوله - تعالى - { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنا } معطوف على قوله - تعالى -وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } وجعلنا بمعنى صرنا. والبيت المقصود به الكعبة، إذ غلب استعمال البيت فيها حتى صار اسما لها. ومثابة للناس مرجعاً للناس يرجعون إليه من كل جانب، وهو مصدر ميمى من ثاب القوم إلى المكان رجعوا إليه. فهم يثوبون إليه ثواباً وثوبانا، أو معاذا لهم يلجأون إليه أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره. والأمن السلامة من الخوف، وأمن المكان اطمئنان أهله به، وعدم خوفهم من أن ينالهم فيه مكروه فالبيت مأمن، أى موضع أمن. وأخبر - سبحانه - بأنه جعله أمنا ليدل على كثرة ما يقع به من الأمن حتى صار كأنه نفس الأمن. وكذلك صار البيت الحرام محفوظاً بالأمن من كل ناحية، فقد كان الناس فى الجاهلية يقتتلون ويعتدى بعضهم على بعض من حوله، أما أهله فكانوا فى أمان واطمئنان. قال تعالىأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } وقال - تعالى -فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } وقد أقرت تعاليم الإِسلام هذه الحرمة للبيت الحرام على وجه لا يضيع حقاً ولا يعطل حداً، وزادت فى تكريمه وتشريفه بأن جعلت الحج إليه فريضة على كل قادر عليها. قال الإِمام ابن كثير " ومضمون ما فسر به العلماء هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس. أى جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضى منه وطراً ولو ترددت إليه فى كل عام استجابة من الله - تعالى - لدعاء خليله إبراهيم فى قوله تعالىفَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ } ويصفه - تعالى - بأنه جعله أمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } الاتخاذ الجعل، تقوم اتخذت فلاناً صديقاً أى جعلته صديقاً. والمقام فى اللغة موضع القدمين من قام يقوم، ومقام إبراهيم هو الحجر الذى كان إبراهيم يقوم عليه عند بناء الكعبة لما ارتفع الجدار، وهو - على المشهور - تحت المصلى المعروف الآن بهذا الاسم. ومعنى اتخاذ مصلى منه القصد إلى الصلاة عنده. فقد ورد فى الحديث الصحيح الذى رواه الإِمام مسلم عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين " ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7