الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً } معناه إنا أرسلناك يا محمد بالدين الصحيح المشتمل على الأحكام الصادقة، لتبشر بالثواب من آمن وعمل صالحاً، وتنذر بالعقاب من كفر وعصى. وصدرت الآية الكريمة بحرف التأكيد، لمزيد الاهتمام بهذا الخبر، وللتنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم. وجىء بالمسند إليه ضمير الجلالة، تشريفاً للنبى صلى الله عليه وسلم فكأن الله - تعالى - يشافهه بهذا الكلام بدون واسطة، ولذا لم يقل له إن الله أرسلك. وقوله { بِٱلْحَقِّ } متعلق بأرسلناك. والحق مأخوذ من حق الشىء، أى وجب وثبت، ويطلق الحق على الحكم الصادق المطابق للواقع، ويسمى الدين الصحيح حقاً لاشتماله على الأحكام الصادقة. وقوله { بَشِيراً وَنَذِيراً } حالان، والبشير المبشر، وهو المخبر بالأمر السار للمخبر به الذى لم يسبق له علم به. والنذير المنذر، وهو المخبر بالأمر المخوف ليحذر منه. وجملة { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } معطوف على جملة { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ }. والجحيم المتأجج من النار. وأصحابها الملازمون لها. والسؤال كناية عن المؤاخذة واللوم. والمعنى لا تذهب نفسك عليهم حسرات يا محمد، فإن وظيفتك أن تبشر وتنذر ولست بعد ذلك مؤاخذاً ببقاء الكافرين على كفرهم، ولست مسئولا عن عدم اهتدائهمفَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } وفى وصفهم بأنهم أصحاب الجحيم، إشعار بأنهم قد طبع على قلوبهم، فصاروا لا يرجى منها الرجوع عن الكفر. وفى هذه الجملة مع قوله { بَشِيراً وَنَذِيراً } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يؤمن به أولئك الجاحدون المتعنتون. ثم بين القرآن موقف أهل الكتاب من الدعوة الإِسلامية فقال { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }. الملة الطريقة المسلوكة، ثم جعلت اسما لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه ليتوصلوا إلى السعادة الدائمة، وقد تطلق على ما ليس حقاً من الأديان المنحرفة أو الباطلة، كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام - أنه قالإِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } وأفرد القرآن الملة فقال - تعالى - ملتهم - " مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة، لأن الملتين بالنظر إلى مخالفتهما لدين الإِسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة واحدة، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى فى قلة الانتفاع به. ومعنى الغاية فى قوله " حتى تتبع ملتهم الكناية عن اليأس من اتباع أهل الكتاب لشريعة الإِسلام، لأنهم لما كانوا لا يرضون إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ملتهم وكان اتباع النبى صلى الله عليه وسلم لملتهم مستحيلا، فقد صار رضاهم عنه كذلك مستحيلا، فالجملة الكريمة مبالغة فى الإِقناط من إسلامهم، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه.

السابقالتالي
2 3