الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

يرى بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت فى شأن الرومانيين الذين غزوا بيت المقدس وخربوه. ويرى آخرون أنها نزلت فى كفار قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية. وكيفما كان سبب النزول، فالآية تشمل بذمها ووعيدها، كل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها. ومن أسم استفهام يراد منه النفى، أى لا أظلم. والمساجد جمع مسجد، وهو المكان الخاص للعبادة، مأخوذ من السجود، وهو وضع الجبهة على الأرض خضوعاً لله وتعظيما. والظلم الاعتداء على حق الغير، بالتصرف فيه بمالا يرضى به، ويطلق على وضع الشىء فى غير ما يستحق أن يوضع فيه، والمعنيان واضحان هنا. وذكر اسم الله كناية عما يؤدى فيها من العبادات، إذ لا تكاد عبادة تخلو من ذكر اسمه - تعالى - والسعى فى الأصل المشى بسرعة فى معنى الطلب والعمل. والخراب ضد التعمير، ويستعمل لمعنى تعطيل المكان وخلوه مما وضع له. قال القرطبى " وخراب المساجد قد يكون حقيقياً، كتخريب بختنصر والرومان لبيت المقدس حيث قذفوا فيه القاذورات وهدموه. ويكون مجازاً كمنع المشركين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإِسلام فيها خراب لها ". والمعنى لا أحد أظلم ممن حال بين المساجد وبين أن يعبد فيها الله، وعمل فى خرابها بالهدم كما فعل الرومان وغيرهم ببيت المقدس. أو بتعطيلها عن العبادة كما فعل كفار قريش، فهو مفرط فى الظلم بالغ فيه أقصى غاية. قال صاحب الكشاف " فإن قلت فكيف قيل مساجد الله، وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد هو بيت المقدس أو المسجد الحرام؟ قلت لا بأس أن يجىء الحكم عاماً، وإن كان السبب خاصاً، كما تقول لمن آذى صالحاً واحداً ومن أظلم ممن آذى الصالحين، كما قال - عز وجل -ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } والمنزول فيه هو الأخنس بن شريق ". وقوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } معناه ما ينبغى لأولئك الذين يحولون بين المساجد وذكر الله ويسعون فى خرابها أن يدخلوها إلا خائفين من الله - تعالى - لمكانها من الشرف والكرامة بإضافتها إليه - تعالى - أو إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلا عن أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها. قال ابن كثير " وفى هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام، ويذل لهم المشركين حتى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب، أو يقتل إن لم يسلم، وقد أنجز الله هذا الوعد فمنع المشركين من دخول المسجد الحرام، وذلك أنه بعد أن تم فتح مكة للمسلمين أمر النبى صلى الله عليه وسلم من العام القابل منادياً ينادى برحاب منى " ألا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته ".

السابقالتالي
2