الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

الضمير فى { قَالُواْ } يعود على أهل الكتاب من الفريقين. والهود جمع هائد أى متبع اليهودية وقدمهم القرآن الكريم على النصارى لتقدمهم فى الزمان. والمعنى وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى لن يدخلها إلا من كان نصرانياً، إلا أن الآية الكريمة سلكت فى طريق الإِخبار عما زعموه مسلك الإِيجاز، فحكت القولين فى جملة واحدة، وعطفت أحد الفريقين على الآخر بحرف " أو " ثقة بفهم السامع، وأمنا من اللبس، لما عرف من التعادى بين الفريقين، وتضليل كل واحد منهما لصاحبه، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عنهموَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } أى قالت اليهود كونوا هودا تهتدوا، وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا. ولذا قال الإِمام ابن جرير " فإن قال قائل وكيف جمع اليهود والنصارى فى هذا الخبر مع اختلاف مقالة الفريقين، واليهود تدفع النصارى عن أن يكون لها فى ثواب الله نصيب، والنصارى تدفع اليهود عن مثل ذلك؟ قيل إن معنى ذلك بخلاف الذى ذهبت إليه، وإنما عنى به وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا النصارى، ولكن معنى الكلام لما كان مفهوماً عند المخاطبين به جمع الفريقان فى الخبر عنهما فقيل { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ }. وقوله تعالى { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } جملة معترضة قصد بها بيان أن ما يدعونه من أن الجنة خاصة بهم، ما هو إلا أمانى منهم يتمنونها على الله بغير حق ولا برهان. سولتها لهم أنفسهم التى استحوذ عليها الشيطان فخدعها بالأباطيل والأكاذيب. واسم الإِشارة " تلك " مشار به إلى ما تضمنه قوله تعالى { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } وهو يتضمن أمانى كثيرة منها، أن اليهود أمنيتهم أنه لن يدخل الجنة غيرهم، والنصارى كذلك أمنيتهم أنهم هم وحدهم أصحاب الجنة، وكلا الفريقين يعتقد أن المسلمين ليسوا أهلالها، ولهذا جاء خبر اسم الإِشارة جمعاً فقال تعالى { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }. ويرى صاحب الكشاف أنه المشار إليه أمور قد تعددت لفظاً وحكاها القرآن عنهم فى قولهمَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } وفى قولهوَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } وفى قوله { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } ، وعبارته فإن قلت لم قيل { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } وقولهم لن يدخل الجنة أمنية واحدة؟ قلت أشير بها إلى الأمانى المذكورة وهو إمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً، وأمنيتهم ألا يدخل الجنة غيرهم.

السابقالتالي
2 3 4