الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

أى إن الذين امنوا بالله - تعالى - حق الإيمان، وعملوا الأعمال الصالحات { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } فى دنياهم وفى آخرتهم { وُدّاً } أى سيجعل لهم محبة ومودة فى القلوب، لإيمانهم وعملهم الصالح، يقال ود فلان فلانا، إذا أحبه وأخلص له المودة. وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله - تعالى - إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إنى أحب فلاناً فأحبه. قال فيحبه جبريل. ثم ينادى فى أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه. قال فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القبول فى الأرض، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إنى أبغض فلاناً فأبغضه. قال فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه. قال فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء فى الأرض ". ثم بين - سبحانه - الحكمة التى من أجلها جعل القرآن ميسرا فى حفظه وفهمه فقال { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }. أى إننا أنزلنا هذا القرآن على قلبك - أيها الرسول الكريم - وجعلناه بلسانك العربى المبين، وسهلنا حفظه وفهمه على الناس، { لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين امتثلوا أمرنا واجتنبوا نهينا { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } أى ذوى لدد وشدة فى الخصومة بالباطل، وهم مشركو قريش فقوله { لُّدّاً } جمع ألد ومنه قوله - تعالى -وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أى أشد الناس خصومة وجدلاً. وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله - تعالى -وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } وقوله - سبحانه -فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية التى تخبر عن سنة من سننه فى الظالمين فقال { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }. أى وكثير من القرى الظالمة التى سبقتك - أيها الرسول الكريم - قد أهلكناها وأبدناها وجعلناها خاوية على عروشها. والاستفهام فى قوله { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ } للنفى أى ما تحسن منهم أحداً ولا ترى منها دياراً. يقال أحس الرجل الشىء إحساساً، إذا علمه وشعر به. وقوله { أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } معطوف على ما قبله، والركز. الصوت الخفى. ومنه قولهم ركز فلان رمحه، إذا غيب طرفه وأخفاه فى الأرض. ومنه الركاز للمال المدفون فى الأرض. والمعنى أهلكنا كثيراً من القرى الظالمة الماضية، فأصبحت لا ترى منهم أحداً على الإطلاق، ولا تسمع لهم صوتاً حتى ولو كان صوتاً خافتاً ضعيفاً وإنما هم فى سكون عميق، وصمت رهيب، بعد أن كانوا فوق هذه الأرض يدبون ويتحركون. وهذه سنتنا التى لا تتخلف فى الظالمين.نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } نعوذ بالله - تعالى - من ذلك. وبعد فهذا تفسير لسورة مريم، نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه، ونافعاً لعباده. وصلى الله على سيدنا محمد وعل آله وصحبه وسلم.