الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } * { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } * { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }

قوله - سبحانه - { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ... } حكاية لما قاله الكافرون للمؤمنين على سبيل التباهى والتفاخر. أى وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المنكرين للبعث آياتنا البينات الواضحات، الدالة على صحة وقوع البعث والحساب يوم القيامة { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على سبيل العناد والتعالى { لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قالوا لهم انظروا { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً }. والمقام - بفتح الميم - مكان القيام والمراد به مساكنهم ومنازلهم التى يسكنونها وينزلون بها. والندى والنادى والمنتدى مجلس القوم ومكان تجمعهم. يقال ندوت القوم أندوهم ندوا، إذا جمعتهم فى مجلس للانتداء. ومنه دار الندوة للمكان الذى كانت تجتمع فيه قريش للتشاور فى أمورها. أى وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وعلى أن البعث حق. قالوا للمؤمنين على سبيل الاحتقار لهم نحن وأنتم أينا خير من الآخر مكانا، وأحسن مجلسا ومجتمعا فهم يتفاخرون على المؤمنين بمساكنهم الفارهة، ومجالسهم التى يجتمع فيها أغنياؤهم ووجهاؤهم. قال الجمل فى حاشيته " أى قالوا للمؤمنين انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم وانظروا إلى مجلسنا عند التحدث ومجلسكم، فترونا نجلس فى صدر المجلس، وأنتم جالسون فى طرفه الحقير. فإذا كنا بهذه المثابة وأنتم بتلك فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على حق لأكرمكم الله بهذه الأمور كما أكرمنا بها ". وما حكاه الله - تعالى - عن هؤلاء الكافرين فى هذه الآية، قد جاء ما يشبهه فى آيات أخرى، ومن ذلك قوله - تعالى -وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } وقد رد الله - تعالى - على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }. و { وَكَمْ } هنا خبرية، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهى فى محل نصب على المفعول به لجملة { أَهْلَكْنَا } و { مِّن قَرْنٍ } تمييز لها. والقرن اسم لأهل كل أمة تتقدم فى الوجود على غيرها، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها. و { أَثَاثاً } المتاع للبيت. وقيل هو الجديد من الفراش، وقد يطلق على المال بصفة عامة. و { وَرِءْياً } أى منظرا وهيئة ومرأى فى العين مأخوذ من الرؤية التى تراها العين. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم، فإنما هو نوع من الاستدراج، فإن الله - تعالى - قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن، عندما أراد الله - تعالى - إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم.

السابقالتالي
2 3 4