الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

ذكر كثير من المفسرين أن قوله - تعالى - { وَيَقُولُ ٱلإِنْسَانُ... } نزل فى أشخاص معينين. فمنهم من يرى أن هذه الآية نزلت فى " أبى بن خلف " فإنه أخذ عظما باليا، فجعل يفتته بيده، ويذريه فى الريح ويقول زعم محمد - صلى الله عليه وسلم - أننا نبعث بعد أن نموت ونصير مثل هذا العظم البالى ومنهم من يرى أنها نزلت فى الوليد بن المغيرة، أو فى العاصى بن وائل، أو فى أبى جهل. وعلى كل واحد من هذه الأقوال تكون أل فى الإنسان للعهد، والمراد بها أحد هؤلاء الأشخاص، ويكون لفظ الإنسان من قبيل العام الذى أريد به الخصوص. ومن الأساليب العربية المعروفة، إسناد الفعل إلى المجموع، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم كما يقال بنو فلان قتلوا فلاناً مع أن القاتل واحد منهم، ومن هذا القبيل قول الفرزدق
فسيوف بنو عبس وقد ضربوا به نَبَت بيدَىْ ورقاء من رأس خالد   
فقد أسند الضرب إلى بنى عبس، مع أنه صرح بأن الضارب هو ورقاء الذى كان السيف بيده. وقيل المراد بالإنسان هنا جماعة معينون وهم الكفرة المنكرون للبعث أو المراد جنس الكافر المنكر للبعث. و " إذا " فى قوله { أَإِذَا مَا مِتُّ } منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط. والمعنى ويقول هذا الإنسان الجاهل الجحود، المنكر للبعث والنشور، أأعود للحياة مرة أخرى بعد موتى، وبعد أن أكون كالعظام النخرة. والاستفهام للإنكار والنفى، وعبر - سبحانه - بالمضارع { يَقُولُ } لاستحضار تلك الصورة الغريبة، وتلك الأقوال المنكرة التى صدرت عن هذا الكافر، أو لإفادة أن هذا القول موجود ومستمر عند كثير من الكافرين. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - حكاية عن هؤلاء الجاحدينأَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } وقوله - عز وجل -يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } وقد رد الله - تعالى - عليهم بما يبطل قولهم، ويخرس ألسنتهم فقال { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنْسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً }. والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والواو للعطف على مقدر. والمعنى أيقول هذا الإنسان ذلك القول الباطل، ولا يتذكر أننا أوجدناه بقدرتنا من العدم ولم يكن شيئاً مذكوراً، ومن المعروف عند العقلاء، أن إعادة الإنسان إلى الحياة بعد وجوده، أيسر من إيجاده من العدم. فالآية الكريمة ترد على كل جاحد للبعث بدليل منطقى برهانى، يهدى القلوب إل الحق، ويقنع العقول بأن البعث حق وصدق. وفى معنى هذه الآية الكريمة جاءت آيات أخرى كثيرة منها قوله - تعالى -وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.. }

السابقالتالي
2 3 4