الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

اسم الإشارة { ذٰلِكَ } فى قوله { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } إشارة إلى ما ذكره الله - تعالى - قبل ذلك لعيسى من صفات حميدة، ومن أخبار صادقة وهو مبتدأ، وعيسى خبره، وابن مريم صفته. ولفظ { قَوْلَ } فيه قراءتان سبعيتان إحداهما قراءة الجمهور بضم اللام، والثانية قراءة ابن عامر وعاصم، بفتحها. وعلى القراءة بالرفع يكون { قَوْلُ ٱلْحَقِّ } خبر لمبتدأ محذوف. فيكون المعنى ذلك الذى أخبرناك عنه بشأن عيسى وأمه هو قول الحق - عز وجل - وهو قول لا يحوم حوله باطل، ولا يخاطله ريب أو شك. فلفظ { ٱلْحَقِّ } يصح أن يراد به الله - سبحانه - لأنه من أسمائه، ويصح أن يراد به ما هو ضد الباطل، وهو الصدق والثبوت. وعلى قراءة النصب يكون لفظ { قَوْلَ } مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة، أى ذلك الذى قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - من شأن عيسى ابن مريم، هو القول الثابت الصادق. الذى أقول فيه قول الحق. والإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته أى القول الحق، كقوله - تعالى -وَعْدَ ٱلصِّدْقِ } أى الوعد الصدق. وقوله { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } بيان لموقف الكافرين من هذا القول الحق الذى ذكره الله - تعالى - عن عيسى وأمه. و { ٱلَّذِي } صفة للقول. أو للحق. و { يَمْتُرُونَ } يشكون من المرية بمعنى الشك والجدل... أى ذلك الذى ذكرناه لك من خبر عيسى هو القول الحق، الذى شك فى صدقه الكافرون، وتنازع فيه الضالون، فلا تلتفت إلى شكهم وكفرهم بل ذرهم فى طغيانهم يعمهون. ثم نزه - سبحانه - ذاته عن أن يكون له ولد فقال { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ... } أى ما يصح وما يستقيم وما يتصور فى حقه - تعالى - أن يتخذ ولداً، لأنه منزه عن ذلك، لأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد، ويتخذه الضعفاء للنصرة، والله - تعالى - هو الباقى بقاء أبديا، وهو القوى القادر الذى لا يعجزه شىء. و { مِن } فى قوله { مِن وَلَدٍ } لتأكيد هذا النفى وتعميمه. وفى معنى هذه الآيات جاءت آيات كثيرة منها قوله - تعالى - فى هذه السورةوَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } ثم بين - سبحانه - ما يدل على غناه عن الولد والوالد والصاحب والشريك فقال { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أى لا يتصور فى حقه - سبحانه - اتخاذ الولد، لأنه إذا أراد قضاء أمر، فإنما يقول له كن، فيكون فى الحال، بدون تأخير أو تردد.

السابقالتالي
2 3