الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }

وقوله - سبحانه - { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ... } معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة. والتقدير وبعد أن استمعت مريم إلى ما قاله ابنها عيسى - عليه السلام - اطمأنت نفسها، وقرت عينها، فأتت به أى بمولودها عيسى إلى قومها. وهى تحمله معها من المكان القصى الذى اعتزلت فيه قومها. قال الآلوسى أى جاءتهم مع ولدها حاملة إياه، على أن الباء للمصاحبة، وجملة { تَحْمِلُهُ } فى موضع الحال من ضمير مريم... وكان هذا المجىء على ما أخرج سعيد بن منصور، وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها... وظاهر الآية والأخبار " أنها جاءتهم به من غير طلب منهم.. ". ثم حكى - سبحانه - ما قاله قومها عندما رأوها ومعها وليدها فقال { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً }. أى قالوا لها على سبيل الإنكار يا مريم لقد جئت أى فعلت شيئاً منكراً عجيباً فى بابه، حيث أتيت بولد من غير زوج نعرفه لك. والفَرِى مأخوذ من فريت الجلد إذا قطعته، أى شيئاً قاطعاً وخارقاً للعادة، ومرادهم أنها أتت بولدها عن طريق غير شرعى، كما قال - تعالى - فى آية أخرىوَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } ويدل على أن مرادهم هذا، قولهم بعد ذلك { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ }. أى ما كان أبوك رجلاً زانياً أو معروفاً بالفحش { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } أى تتعاطى الزنا. يقال بغت المرأة، إذا فجرت وابتعدت عن طريق الطهر والعفاف. وليس المراد بهارون هارون بن عمران أخا موسى، وإنما المراد به رجل من قومها معروف بالصلاح والتقوى، فشبهت به، أى يا أخت هارون فى الصلاح والتقوى. أو المراد به أخ لها كان يسمى بهذا الاسم. قال الآلوسى ما ملخصه " وقوله { يٰأُخْتَ هَارُونَ } استئناف لتجديد التعيير، وتأكيد التوبيخ، وليس المراد بهارون أخا موسى بن عمران - عليهما السلام - لما أخرج أحمد، ومسلم، والترمذى، والنسائى، والطبرانى، وابن حبان، وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران فقالوا أرأيت ما تقرأون { يٰأُخْتَ هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم ". وعن قتادة قال " هو رجل صالح فى بنى إسرائيل، والأخت على هذا بمعنى المشابهة، وشبهوها به تهكماً، أو لما رأوا قبل من صلاحها... ". وعلى أية حال فإن مرادهم بقولهم هذا، هو اتهام مريم بما هى بريئة منه، والتعجب من حالها، حيث انحدرت من أصول صالحة طاهرة، ومع ذلك لم تنهج نهجهم.

السابقالتالي
2