الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

قال ابن كثير رحمه الله يقول - تعالى - مخبراً عن مريم، أنها لما قال لها جبريل عن الله - تعالى - ما قال أنها استسلمت لقضائه - تعالى -، فذكر غير واحد من علماء السلف، أن الملك وهو جبريل - عليه السلام - عند ذلك نفخ فى جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت فى الفرج، فحملت بالولد بإذن الله - تعالى -... والمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر. قال عكرمة ثمانية أشهر. وعن ابن عباس أنه قال لم يكن إلا أن حملت فوضعت، وهذا غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله - تعالى - { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ }. فالفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شىء بحسبه. فالمشهور الظاهر - والله على كل شىء قدير - أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن... ". والفاء فى قوله - تعالى - { فَحَمَلَتْهُ.. } هى الفصيحة أى وبعد أن قال جبريل لمريم إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا... نفخ فيها فحملته، أى عيسى، فانتبذت به، أى فتنحت به وهو فى بطنها { مَكَاناً قَصِيّاً } أى إلى مكان بعيد عن المكان الذى يسكنه أهلها. يقال قَصِى فلان عن فلان قَصْواً وقُصُوًّا، إذا بعد عنه. ويقال فلان بمكان قصى، أى بعيد. وجمهور العلماء علىأن هذا المكان القصى، كان بيت لحم بفلسطين. قال ابن عباس أقصى الوادى، وهو وادى بيت لحم، فراراً من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج ". ثم حكى - سبحانه - ما اعتراها من حزن عندما أحست بقرب الولادة فقال { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }. وقوله { فَأَجَآءَهَا } أى فألجأها، يقال أجأته إلى كذا، بمعنى ألجأته واضطرته إليه. ويقال جاء فلان. وأجاءه غيره، إذا حمله على المجىء، ومنه قول الشاعر
وجارٍ سارَ معتمداً علينا أجاءته المخافة والرجاء   
قال صاحب الكشاف " أجاء منقول من جاء، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. ألا تراك تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد، كما تقول بلغته وأبلغنيه.. ". والمخاض وجع الولادة. يقال مخضت المرأة - بكسر الخاء - تمخض - بفتحها - إذا دنا وقت ولادتها مأخوذ من المخض، وهو الحركة الشديدة، وسمى بذلك لشدة تحرك الجنين فى بطن الأم عند قرب خروجه. وجذع النخلة ساقها الذى تقوم عليه. أى وبعد أن حملت مريم بعيسى، وابتعدت به - وهو محمول فى بطنها - عن قومها، وحان وقت ولادتها. ألجأها المخاض إلى جذع النخلة لنتكىء عليه عند الولادة... فاعتراها فى تلك الساعة ما اعتراها من هم وحزن وقالت { يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا } الحمل والمخاض الذى حل بى { وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } أى وكنت شيئاً منسياً متروكاً، لا يهتم به أحد، وكل شىء نُسى وترك ولم يطلب فهو نَسْىٌ ونسِيُّ.

السابقالتالي
2 3 4