الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

وقوله - سبحانه - { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ.. } معطوف على قصة موسى والخضر - عليهما السلام - عطف القصة على القصة. قال البقاعى كانت قصة موسى مع الخضر مشتملة على الرحلات من أجل العلم، وكانت قصة ذى القرنين مشتملة على الرحلات من أجل الجهاد فى سبيل الله، ولما كان العلم أساس الجهاد تقدمت قصة موسى والخضر على قصة ذى القرنين... والسائلون هم كفار قريش بتلقين من اليهود، فقد سبق أن ذكرنا عند تفسيرنا لقصة أصحاب الكهف. أن اليهود قالوا لوفد قريش سلوه - أى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاث نأمركم بهن.. سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ماذا كان من أمرهم.. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها.. وسلوه عن الروح. وجاء التعبير بصيغة المضارع - مع أن الآيات نزلت بعد سؤالهم - لاستحضار الصورة الماضية، أو للدلالة على أنهم استمروا فى لجاجهم إلى أن نزلت الآيات التى ترد عليهم. أما ذو القرنين، فقد اختلفت فى شأنه أقوال المفسرين اختلافا كبيرا، لعل أقربها إلى الصواب ما أشار إليه الآلوسى بقوله وذكر أبو الريحان البيرونى فى كتابه المسمى " بالآثار الباقية عن القرون الخالية " ، أن ذا القرنين هو أبو كريب الحميرى، وهو الذى افتخر به تبع اليمنى حيث قال
قد كان ذو القرنين جدى مسلما ملكا علا فى الأرض غير مفند بلغ المغارب والمشارق يبتغى أسباب ملك من حكيم مرشد   
ثم قال أبو الريجان ويشبه أن يكون هذا القول أقرب، لأن ملوك اليمن كانوا يلقبون بكلمة ذى. كذى نواس، وذى يزن. إلخ.. ومن المقطوع به أن ذا القرنين هذا ليس هو الإِسكندر المقدونى الملقب بذى القرنين. تلميذ أرسطو، فإن الإِسكندر هذا كان وثنيا.. بخلاف ذى القرنين الذى تحدث عنه القرآن، فإنه كان مؤمنا بالله - تعالى - ومعتقدا بصحة البعث والحساب. والرأى الراجح أنه كان عبدا صالحا، ولم يكن نبيا. ويرى بعضهم أنه كان بعد موسى - عليه السلام -، ويرى آخرون غير ذلك ومن المعروف أن القرآن الكريم يهتم فى قصصه ببيان العبر والعظات المستفادة من القصة، لا ببيان الزمان أو المكان للأشخاص. وسمى بذى القرنين - على الراجح - لبلوغه فى فتوحاته قرنى الشمس من أقصى المشرق والمغرب. والمعنى ويسألك قومك - يا محمد - عن خبر ذى القرنين وشأنه. { قل } لهم - على سبيل التعليم والرد على تحديهم لك. { سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }. والضمير فى " منه " يعود على ذى القرنين و " من " للتبعيض. أى قل لهم سأتلو عليكم من خبره - وسأقص عليكم من أنبائه عن طريق هذا القرآن الذى أوحاه الله إلى ما يفيدكم ويكون فيه ذكرى وعبرة لكم إن كنتم تعقلون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6