الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

أى { وأما الجدار } الذى أتعبت نفسى فى إقامته، ولم يعجبك هذا منى. { فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ } مات أبوهما وهما صغيران، وهذان الغلامان يسكنان فى تلك المدينة، التى عبر عنها القرآن بالقرية سابقا فى قولهفَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ } قالوا ولعل التعبير عنها بالمدينة هنا، لإِظهار نوع اعتداد بها، باعتداد ما فيها من اليتيمين، وما هو من أهلها وهو أبوهما الصالح،. وكان تحته أى تحت هذا الجدار { كنز لهما } أى مال مدفون من ذهب وفضة.. ولعل أباهما هو الذى دفنه لهما. { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } أى رجلا من أصحاب الصلاح والتقوى، فكان ذلك منه سببا فى رعاية ولديه، وحفظ مالهما. { فأراد ربك } ومالك أمرك ومدير شئونك، والذى يجب عليك أن تستسلم وتنقاد لإِرادته. { أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } أى كمال رشدهما، وتمام نموهما وقوتهما. ويستخرجا كنزهما من تحت هذا الجدار وهما قادران على حمايته، ولولا أنى أقمته لانقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظه وعلى حسن التصرف فيه. { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أى وما أراده ربك - يا موسى - بهذين الغلامين، هو الرحمة التى ليس بعدها رحمة، والحكمة التى ليس بعدها حكمة. فقوله { رحمة } مفعول لأجله. ثم ينفض الخضر يده من أن يكون قد تصرف بغير أمر ربه فيقول { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }. أى وما فعلت ما فعلته عن اجتهاد منى، أو عن رأيى الشخصى، وإنما فعلت ما فعلت بأمر ربى ومالك أمرى، وذلك الذى ذكرته لك من تأويل تلك الأحداث هو الذى لم تستطع عليه صبرا، ولم تطق السكوت عليه، لأنك لم يطلعك الله - تعالى - على خفايا تلك الأمور وبواطنها.. كما أطلعنى. وحذفت التاء من { تسطع } تخفيفا. يقال استطاع فلان هذا الشئ واستطاعه بمعنى أطاقه وقدر عليه. وبذلك انكشف المستور لموسى عليه السلام - وظهر ما كان خافيا عليه. هذا، وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لآيات تلك القصة جملة من الأحاديث، منها ما رواه الشيخان، ومنها ما رواه غيرهما، ونكتفى هنا بذكر حديث واحد. قال - رحمه الله - قال البخارى حدثنا الحميدى، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرنى سعيد بن جبير قال. قلت لابن عباس إن نوفا البكالى يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى نبى بنى إسرائيل. قال ابن عباس كذب عدو الله، حدثنا أبى بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن موسى قام خطيبا فى بنى إسرائيل، فسئل أى الناس أعلم؟ فقال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. فأوحى الله إليه إن عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. فقال موسى يا رب، وكيف لى به؟ قال تأخذ معك حوتا، تجعله بمكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6