الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

والظرف فى قوله - تعالى - { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ } منصوب بفعل محذوف تقديره " اذكر ". والمراد بتسيير الجبال اقتلاعها من أماكنها، وصيرورتها كالعهن المنفوش. أى واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ، أهوال يوم القيامة، يوم نقتلع الجبال من أماكنها، ونذهب بها حيث شئنا، ونجعلها فى الجو كالسحاب، كما قال - سبحانه -وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } وكما قال - عز وجل -وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } وقوله { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً.. } بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة. أى وترى - أيها المخاطب - الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شئ من جبل، أو شجر، أو بنيان. يقال برز الشئ برزوا، أى خرج إلى البراز - بفتح الباء - أى الفضاء وظهر بعد الخفاء. قال - تعالى -فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } ثم بين - سبحانه - حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }. أى وحشرنا الخلائق جميعا، بأن جمعناهم فى المكان المحدد لجمعهم، دون أن نترك منهم أحدا، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم. والفعل { نغادر } من المغادرة بمعنى الترك، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا، لأن السيل ذهب وتركه. ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة، هى حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً }. أى وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين فى صف واحد أو فى صفوف متعددة، ليقضى فيهم - سبحانه - بقضائه العادل. قال الآلوسى أخرج ابن منده فى التوحيد عن معاذ بن جبل، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله - تعالى - ينادى يوم القيامة، يا عبادى أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين. وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم. فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتى أقيموا عبادى صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب ". وفى الحديث الصحيح " يجمع الله - تعالى - الأولين والآخرين فى صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعى وينفذهم البصر.. ". وقوله - سبحانه -وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. } مقول لقول محذوف، وجملة { كما خلقناكم } نعت لمصدر محذوف. والمعنى ونقول لمنكرى البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب لقد جئتمونا - أيها المكذبون - مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة. أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد. وعبر - سبحانه - بالماضى فى قوله { لقد جئتمونا.. } لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل.

السابقالتالي
2 3