الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً }

أى قال الرجل الفقير المؤمن، فى رده على صاحبه الجاحد المغرور، منكرا عليه كفره قال له على سبيل المحاورة والمجاوبة يا هذا { أكفرت } بالله الذى { خلقك } بقدرته { من تراب }. أى خلق أباك الأول من تراب، كما قال سبحانهإِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أى خلق أباك آدم من تراب، ثم أوجدك أنت من نطفة عن طريق التناسل والمباشرة بين الذكر والأنثى. { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أى ثم صيرك إنسانا كاملا، ذا صورة جميلة، وهيئة حسنة. كما قال - سبحانه -لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } والاستفهام فى قوله { أكفرت.. } للإِنكار والاستبعاد، لأن خلق الله - تعالى - له من تراب ثم نطفة، ثم تسويته إياه رجلا، يقتضى منه الإِيمان بهذا الخالق العظيم، وإخلاص العبادة له، وشكره على نعمائه. قالوا ولا يستلزم قول صاحب الجنتين قبل ذلكوَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } أنه كان مؤمنا، لأنه قال ذلك على سبيل الفرض والتقدير، لا على سبيل الاعتقاد واليقين، بدليل تردده فى إمكان قيام الساعة، ولأن اعترافه بوجود الله - تعالى - لا يستلزم الإِيمان الحق، فالكفار كانوا يعترفون بأن الله - تعالى - هو الخالق للسماوات والأرض، ومع هذا يشركون معه فى العبادة آلهة أخرى. وجاء التعبير بحرف " ثم " فى الآية، للاشارة إلى أطوار خلق الإِنسان التى فصلها - سبحانه - فى آيات أخرى، منها قوله - تعالى -وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } ثم يعلن الرجل الصالح موقفه بشجاعة ووضوح، فيقول لصاحبه صاحب الجنتين { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }. أى إن كنت أنت يا هذا قد كفرت بالله الذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا، فإنى لست بكافر، ولكنى أنا مؤمن، أعترف له بالعبادة والطاعة وأقول هو الله - تعالى - وحده ربى، ولا أشرك معه أحدا من خلقه لا فى الربوبية، ولا فى الألوهية، ولا فى الذات ولا فى الصفات. وقوله - سبحانه - فى هذه الآية { لكنا... } أصله " لكن أنا " أى لكن أنا أقول هو الله ربى. فحذفت همزة " أنا " وأدغمت نون " لكن " فى نون أنا بعد حذف الهمزة. وجمهور القراء يقرءون فى الوصل " لكن " بدون ألف بعد النون المشددة وقرأ أبو عامر فى الوصل " لكنا " بالألف - أما فى حالة الوقف فقد اتفق الجميع على إثبات الألف.

السابقالتالي
2 3