الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } * { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }

أى أن أصحاب الكهف مكثوا فى كهفهم راقدين ثلاثمائة سنين، وازدادوا فوق ذلك تسع سنين. فالآية الكريمة إخبار منه - سبحانه - عن المدة التى لبثها هؤلاء الفتية مضروبا على آذانهم. وقوله { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } تقرير وتأكيد لكون المدة التى لبثوها هى ما سبق بيانه فى الآية السابقة. فكأنه - سبحانه - يقول هذا هو فصل الخطاب فى المدة التى لبثوها راقدين فى كهفهم، وقد أعلمك الله - تعالى - بذلك - أيها الرسول الكريم -، وما أعلمك به فهو الحق الصحيح الذى لا يحوم حوله شك، فلا تلتفت إلى غيره من أقوال الخائضين فى أمر هؤلاء الفتية، فإن الله - تعالى - هو الأعلم بحقيقة ذلك. ويرى بعضهم أن قوله - تعالى - { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ } حكاية لكلام أهل الكتاب فى المدة التى لبثها أهل الكهف نياما فى كهفهم، وأن قوله { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } للرد عليهم. وقد حكى الإِمام ابن كثير القولين. ورجح الأول منهما فقال هذا خبر من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف فى كهفهم، منذ أن أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان. كان مقداره ثلاثمائة سنين وتسع سنين بالهلالية وهى ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد الثلاثمائة { وازدادوا تسعا }. وقال قتادة فى قوله { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ.. } وهذا قول أهل الكتاب وقد رده الله - تعالى - بقوله { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ }. وفى هذا الذى قاله قتادة نظر، فإن الذى بأيدى أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ولو كان الله - تعالى - قد حكى قولهم لما قال { وازدادوا تسعا } ، وظاهر الآية أنه خبر عن الله لا حكاية عنهم... وقوله - تعالى - { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } تأكيد لاختصاصه - عز وجل - بعلم المدة التى لبثوها، أى له - سبحانه - وحده علم ما خفى وغاب من أحوال السماوات والأرض، وأحوال أهلهما، كما قال - تعالى -إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } وقوله - سبحانه - { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } صيغتا تعجب أى ما أبصره وما أسمعه - تعالى - والمراد أنه - سبحانه - لا يغيب عن بصره وسمعه شئ. وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره - تعالى - فى الإِدراك خارج عما عليه إدراك المبصرين والسامعين. إذ لا يحجبه شئ، ولا يتفاوت عنده لطيف وكثيف، وصغير وكبير، وجلى وخفى.

السابقالتالي
2 3