الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

قال القرطبى قال العلماء عاتب الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذى القرنين غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن فى ذلك. فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة. وأُمِر فى هذه الآية ألا يقول فى أمر من الأمور إنى أفعل غدا كذا وكذا، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله - عز وجل - حتى لا يكون محققا لحكم الخبر، فإنه إذا قال لأفعلن ذلك ولم يفعل كان كاذبا، وإذا قال، لأفعلن ذلك - إن شاء الله - خرج عن أن يكون محققا للمخبر عنه. والمراد بالغد ما يستقبل من الزمان، ويدخل فيه اليوم الذى يلى اليوم الذى أنت فيه دخولا أوليا. وعبر عما يستقبل من الزمان بالغد للتأكيد. أى ولا تقولن - أيها الرسول الكريم - لأجل شئ تعزم على فعله فى المستقبل إنى فاعل ذلك الشئ غدا، إلا وأنت مقرن قولك هذا بمشيئة الله - تعالى - وإذنه، بأن تقول سأفعل هذا الشئ غدا بإذن الله ومشيئته، فإن كل حركة من حركاتك - ومن حركات غيرك - مرهونة بمشيئة الله - وإرادته، وما يتعلق بمستقبلك ومستقبل غيرك من شئون، هو فى علم الله - تعالى - وحده. وليس المقصود من الآية الكريمة نهى الإِنسان عن التفكير فى أمر مستقبله، وإنما المقصود نهيه عن الجزم بما سيقع فى المستقبل، لأن ما سيقع علمه عند الله - تعالى - وحده. والعاقل من الناس هو الذى يباشر الأسباب التى شرعها الله - تعالى - سواء أكانت هذه الأسباب تتعلق بالماضى أم بالحاضر أم بالمستقبل، ثم يقرن كل ذلك بمشيئة الله - تعالى - وإرادته. فلا يقول سأفعل غدا كذا وكذا لأننى أعددت العدة لذلك، وإنما يقول سأفعل غدا كذا وكذا إذا شاء الله - تعالى - ذلك وأراد، وأن يوقن بأن إرادة الله فوق إرادته، وتدبيره - سبحانه - فوق كل تدبير. وكم من أمور أعد الإِنسان لها أسبابها التى تؤدى إلى قضائها.. ثم جاءت إرادة الله - تعالى - فغيرت ما أعده ذلك الإِنسان، لأنه لم يستشعر عند إعداده للأسباب أن. إرادة الله - تعالى - فوق إرادته، وأنه - سبحانه - القادر على خرق هذه الأسباب، وخرق ما تؤدى إليه، ولأنه لم يقل عندما يريد فعله فى المستقبل، إن شاء الله. وقوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } تأكيد لما قبله أى لا تقولن أفعل غدا إلا ملتبسا بقول إن شاء الله، واذكر ربك - سبحانه - إذا نسيت تعليق القول بالمشيئة، أى عند تذكرك بأنك لم تقرن قولك بمشيئة الله، فأت بها.

السابقالتالي
2