الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }

قال الآلوسى " قوله { وترى الشمس.. } بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف.. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح، وهو للمبالغة فى الظهور، وليس المراد الإِخبار بوقوع الرؤية، بل المراد الإِخبار بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين... ". وقوله { تزاور } من الزور بمعنى الميل. ومنه قولهم زار فلان صديقه، أى مال إليه. ومنه شهادة الزور، لأنها ميل عن الحق إلى الباطل. ويقال فلان أزور، إذا كان مائل الصدر، ويقال تزاور فلان عن الشئ، إذا انحرف عنه. وفى هذا اللفظ ثلاث قراءات سبعية. فقد قرأ ابن عامر { تزور } بزنة تحمر. وقرأ الكوفيون - عاصم وحمزة والكسائى - { تزاور } بفتح الزاى - وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { تزَّاور } بتشديد الزاى -. وأصله تتزاور فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. ومعنى { تقرضهم } تقطعهم وتتجاوزهم وتتركهم، من القرض بمعنى القطع والصرم، يقال قرض المكان، أى عدل عنه وتركه. والمعنى إنك - أيها المخاطب - لو رأيت أهل الكهف، لرأيتهم على هذه الصورة، وهى أن الشمس إذا طلعت من مشرقها، مالت عن كهفهم جهة اليمين، وإذا غربت، تراها عند غروبها، تميل عنهم كذلك، فهى فى الحالتين لا تصل إليهم، حماية من الله - تعالى - لهم، حتى لا تؤذيهم بحرها، بأن تغير ألوانهم، وتبلى ثيابهم. وقوله { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } جملة حالية. أى والحال أنهم فى مكان متسع من الكهف وهو وسطه، والفجوة هى المكان المتسع، مأخوذة من الفجا، وهو تباعد ما بين الفخذين، ومنه قولهم رجل أفجى، وامرأة فَجْوَاء. وللمفسرين فى تأويل هذه الآية اتجاهان لخصهما الإِمام الرازى فقال " للمفسرين هنا قولان أولهما أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف، وإذا غربت كانت على شماله، فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل. والثانى يرى أصحابه أنه ليس المراد ذلك، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع الله - تعالى - ضوءها من الوقوع عليهم، وكذا القول فى حال غروبها، وكان ذلك فعلا خارقا للعادة، وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف.. ". ومن هذين الرأيين يتبين لنا أن أصحاب الرأى الأول، يرجعون عدم وصول حر الشمس إلى هؤلاء الفتية إلى أسباب طبيعية حماهم الله - تعالى - بها ومن بينها أن الكهف كان مفتوحا إلى جهة الشمال. أما أصحاب الرأى الثانى فيردون عدم وصول أشعة الشمس إليهم إلى أسباب غير طبيعية، بمعنى أن الفتية كانوا فى متسع من الكهف، أى فى مكان تصيبه الشمس، إلا أن الله - تعالى - بقدرته التى لا يعجزها شئ، منع ضوء الشمس وحرها من الوصول إليهم، خرقا للعادة على سبيل التكريم لهم.

السابقالتالي
2 3 4