الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

أى " نحن " وحدنا يا محمد، نقص عليك وعلى أمتك خبر هؤلاء الفتية قصصا لحمته وسداه والحق والصدق، لأنه قصص من ربك الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء. وقوله { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } كلام مستأنف جواب عن سؤال تقديره ما قصتهم وما شأنهم بالتفصيل؟ أى إنهم فتية أخلصوا العبادة لخالقهم، وأسلموا وجوههم لبارئهم، وآمنوا بربوبيته - سبحانه - إيمانا عمقياً ثابتاً، فزادهم الله ببركة هذا الإِخلاص والثبات على الحق، هداية على هدايتهم، وإيمانا على إيمانهم. وقوله - سبحانه - { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } إيماء إلى أن قصة هؤلاء الفتية كانت معروفة لبعض الناس، إلا أن معرفتهم بها كانت مشوبة بالخرافات والأباطيل. قال ابن كثير ما ملخصه ذكر الله - تعالى - أنهم كانوا فتية - أى شبابا -، وهم أقبل للحق من الشيوخ، الذين عتوا فى دين الباطل، ولهذا كان اكثر المستجيبين لله ولرسوله شبابا، وأما المشايخ من قريش، فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. واستدل غير واحد من الأئمة كالبخارى وغيره بقوله { وزدناهم هدى } إلى أن الإِيمان يزيد وينقص... ثم حكى - سبحانه - جانبا من مظاهر هدايته لهم فقال { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ }. وأصل الربط الشد، يقال، ربطت الدابة، أى شددتها برباط، والمراد به هنا ما غرسه الله فى قلوبهم من قوة، وثبات على الحق، وصبر على فراق أهليهم، ومنه قولهم فلان رابط الجأش، إذا كان لا يفزع عند الشدائد والكروب. والمراد بقيامهم عقدهم العزم على مفارقة ما عليه قومهم من باطل، وتصميمهم على ذلك تصميما لا تزحزحه الخطوب مهما كانت جسيمة. ويصح أن يكون المراد بقيامهم وقوفهم فى وجه ملكهم الجبار بثبات وقوة، دون أن يبالوا به عندما أمرهم بعبادة ما يعبده قومهم، وإعلانهم دين التوحيد، ونبذهم لكل ما سواه من شرك وضلال. قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { إذ قاموا } يحتمل ثلاثة معان. أحدها أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدى الملك الكافر، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا ما دعاهم إليه. والمعنى الثانى فيما قيل إنهم أولاد عظماء تلك المدينة فخرجوا واجتمعوا وراءها من غير ميعاد، وتعاهدوا على عبادة الله وحده. والمعنى الثالث أن يعبر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله - تعالى - ومنابذة الناس، كما تقول قام فلان إلى أمر كذا، إذا عزم عليه بغاية الجد. وعلى أية حال فالجملة الكريمة تفيد أن هؤلاء الفتية كانت قلوبهم ثابتة راسخة، مطمئنة إلى الحق الذى اهتدت إليه، معتزة بالإِيمان الذى أشربته، مستبشرة بالإِخاء الذى جمع بينها على غير ميعاد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول

السابقالتالي
2 3 4