الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

والمراد بالبحر جنسه، والمداد فى الأصل اسم لكل ما يُمَد به الشئ، واختص فى العرف لما تمد به الدواة من الحبر. والمراد بكلمات ربى علمه وحكمته وكلماته التى يصرف بها هذا الكون. وقوله { لنفد البحر } أى لفنى وفرغ وانتهى. يقال نفد الشئ ينفد نفادا، إذا فنى وذهب، ومنه قولهم أنفد فلان الشئ واستنفده، أى أفناه. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - للناس لو كان ماء البحر مدادا للأقلام التى تكتب بها كلمات ربى ومعلوماته وأحكامه.. لنفد ماء البحر ولم يبق منه شئ - مع سعته وغزارته - قبل أن تنفد كلمات ربى، وذلك لأن ماء البحر ينقص وينتهى أما كلمات الله - تعالى - فلا تنقص ولا تنتهى. وقوله - سبحانه - { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } زيادة فى المبالغة وفى التأكيد لما قبله من شمول علم الله - تعالى - لكل شئ، وعدم تناهيه. أى وبعد نفاد ماء البحر السابق، لو جئنا بماء بحر آخر مثله فى السعة والغزارة، وكتبنا به كلمات الله - تعالى - لنفد - أيضاً - ماء البحر الثانى دون أن تنفد كلمات ربى. فالآية الكريمة تصور شمول علم الله - تعالى - لكل شئ، وعدم تناهى كلماته، تصويراً بديعاً، يقرب إلى العقل البشرى بصورة محسوسة كمال علم الله - تعالى - وعدم تناهيه. قال الآلوسى وقوله { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } هذا كلام من جهته - تعالى شأنه - غير داخل فى الكلام الملقن، جئ به لتحقيق مضمونه، وتصديق مدلوله على أتم وجه. والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة ما ذكر عليها دلالة واضحة أى لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته - تعالى - لو لم نجئ بمثله مدداً، ولو جئنا بمثله مدداً - لنفد أيضاً -. وقال بعض العلماء وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان، لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات منقضية منتهية، وأما كلام الله - تعالى - فهو من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى، فأى سعة وعظمة تصورتها القلوب، فالله - تعالى - فوق ذلك، وهكذا سائر صفات الله - سبحانه - كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بأمر آخر منه - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }. أى قل - أيها الرسول الكريم - للناس، مبيناً لهم حقيقة أمرك، بعد أن بينت لهم عدم تناهى كلمات ربك.

السابقالتالي
2 3