الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }

وجنات الفردوس هى أفضل الجنات وأعلاها. ولفظ الفردوس لفظ عربى ويجمع على فراديس، ومنه قولهم صدر مفردس، أى واسع. قال الآلوسى ما ملخصه عن مجاهد أن الفردوس هو البستان بالرومية، وعن عكرمة أن الفردوس هو الجنة بالحبشية. ونص الفراء على أن هذا اللفظ عربى ومعناه البستان الذى فيه كرم. وقال المبرد هى - أى كلمة الفردوس - فيما سمعت من العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب. وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سألتم الله - تعالى - فأسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن. ومنه تفجر أنهار الجنة ". والمعنى إن الذين آمنوا بالله - تعالى - وبكل ما يجب الإِيمان به، وعملوا الأعمال الصالحات بإخلاص واتباع لما جاء به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كانت لهم عند الله - تعالى - جنات الفردوس، التى هى أفضل الجنات وأرفعها درجة { نزلا } أى هدية تقدم لهم منه يوم القيامة، ومكانا ينزلون به تكريما وتشريفا لهم. { خالدين فيها } خلودا أبديا، حالة كونهم { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } أى لا يطلبون تحولا أو انتقالا منها إلى مكان آخر، لكونها أطيب المنازل وأعلاها. وفى قوله - تعالى - { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } لفتة دقيقة عميقة للإِجابة على ما يعترى النفس البشرية من حب للانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال. فكأنه - سبحانه - يقول إن ما جبلت عليه النفوس فى الدنيا من حب للتحول والتنقل. قد زال وانتهى بحلولها فى الآخرة فى الجنة، فالنفس الإِنسانية عندما تستقر فى الجنة - ولا سيما جنة الفردوس - لا تريد تحولا أو انتقالا عنها، لأنها المكان الذى لا تشتاق النفوس إلى سواه، لأنها تجد فيه ما تشتهيه وما تبتغيه، نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا جميعا جنات الفردوس. وكما افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بالثناء على ذاته، ختمها - أيضا - بالثناء والحمد، فقد أثبت - عز وجل - أن علمه شامل لكل شئ. وأن قدرته نافذة على كل شئ، وأنه - تعالى - هو المستحق للعبادة والطاعة، فقال { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً... }.