الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } * { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } * { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما حكى شبهة القوم فى اقتراح المعجزات الزائدة، وأجاب عنها، حكى عنهم شبهة أخرى، وهى أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولاً من البشر، بل اعتقدوا أن الله - تعالى - لو أرسل رسولاً إلى الخلق، لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة، فأجاب الله - تعالى - عن هذه الشبهة فقال { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ... }. والمراد بالناس هنا المشركون منهم، الذين استبعدوا واعتقدوا أن الرسول لا يكون من البشر، ويدخل فيهم دخولاً أولياً كفار مكة. وجملة { أن يؤمنوا } فى محل نصب، لأنها مفعول ثان لمنع. وقوله { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } هو الفاعل، و " إذ " ظرف للفعل منع، أو لقوله { أن يؤمنوا }. والمعنى وما صرف المشركين عن الإِيمان بالدين الحق وقت أن جاءتهم به الرسل، إلا اعتقاد هؤلاء المشركين أن الله - تعالى - لا يبعث إليهم رجلاً من البشر لكى يبلغهم وحيه، وإنما يبعث إليهم ملكاً من الملائكة لكى يبلغهم ذلك. وعبر عن اعتقادهم الباطل هذا بالقول فقال { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ.. } للإِشعار بأنه مجرد قول لاكته ألسنتهم، دون أن يكون معهم أى مستند يستندون إليه لإِثبات قبوله عند العقلاء. وجاء التعبير عن اعتقادهم الباطل هذا بصيغة الحصر، لبيان أنه مع بطلانه - هو من أهم الموانع والصوارف، التى منعتهم وصرفتهم عن الدخول فى الدين الحق، الذى جاءتهم به الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وهذا لا يمنع أن هناك صوارف أخرى حالت بينهم وبين الإِيمان كالحسد والعناد. قال صاحب الكشاف " والمعنى. وما منعهم من الإِيمان بالقرآن، وبنبوة النبى صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت فى صدورهم، وهى إنكارهم أن يرسل الله البشر. والهمزة فى { أبعث الله } للإِنكار، وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله - تعالى - لأن قضية حكمته، أن لا يرسل ملك الوحى إلا إلى أمثاله، أو إلى الأنبياء ". والمتدبر فى القرآن الكريم، يرى أن هذه الشبهة - وهى إنكار المشركين كون الرسول بشراً - قد حكاها فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى -أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ... } وقوله - تعالى -ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ومما لا شك فيه أن هذه الشبهة تدل، على أن هؤلاء الكافرين، لم يدركوا قيمة بشريتهم وكرامتها عند الله - تعالى -، وذلك بسبب انطماس بصائرهم، وكثرة جهلهم، وعكوفهم على موروثاتهم الفاسدة.

السابقالتالي
2 3