الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } * { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } روايات منها ما أخرجه الشيخان " عن عبد الله بن مسعود قال بينما أنا أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم فى حرث وهو متوكئ على عسيب - أى على عصا - إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح، فقالوا يا محمد ما لروح فأمسك النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامى، فلما نزل الوحى قال { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي... ". قال الإِمام ابن كثير بعد أن ذكر هذه الرواية وغيرها وهذا السياق يقتضى فيما يظهر بادى الرأى، أن هذه الآية مدنية، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. أو أنه نزل عليه الوحى بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهى هذه الآية { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ... } ". ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما أخرجه الإِمام أحمد عن ابن عباس قال " قالت قريش ليهود. أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل؟ فقالوا سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت ويسألونك عن الروح.. الآية ". وكلمة الروح تطلق فى القرآن الكريم على أمور منها الوحى، كما فى قوله - تعالى -يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ... } ومنها القوة والثبات كما فى قوله - تعالى -أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ... } ومنها جبريل، كما فى قوله - تعالى -نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ... } ومنها القرآن كما فى قوله - سبحانه -وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا... } ومنها عيسى ابن مريم، كما فى قوله - تعالى -إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ... } وجمهور العلماء على أن المراد بالروح فى قوله - تعالى - { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ... } ما يحيا به بدن الإِنسان، وبه تكون حياته، وبمفارقته للجسد يموت الإِنسان، وأن السؤال إنما هو عن حقيقة الروح، إذ معرفة حقيقة الشئ. تسبق معرفة أحواله. وقيل المراد بالروح هنا القرآن الكريم، وقيل جبريل، وقيل عيسى إلى غير ذلك من الأقوال التى أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرة أقوال. ويبدو لنا أن ما ذهب إليه جمهور المفسرين، أولى بالاتباع، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } يؤيد هذا الاتجاه.

السابقالتالي
2 3 4 5