الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }

قال الفخر الرازى - رحمه الله - اعلم أنه - تعالى - لما أطنب فى شرح الإِلهيات والنبوات، والحشر والمعاد والبعث، وإثبات القضاء والقدر، ثم أتبعه بالأمر بالصلاة، ونبه على ما فيها من الأسرار، وإنما ذكر كل ذلك فى القرآن، أتبعه ببيان كون القرآن شفاء ورحمة. فقال - تعالى - { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ.. }. ثم قال ولفظة { من } ها هنا ليست للتبعيض، بل هى للجنس كقولهفَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } والمعنى وننزل من هذا الجنس الذى هو قرآن ما هو شفاء، فجميع القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين. ومما لا شك فيه، أن قراءة القرآن، والعمل بأحكامه وآدابه وتوجيهاته.. شفاء للنفوس من الوسوسة، والقلق، والحيرة، والنفاق، والرذائل المختلفة، ورحمة للمؤمنين من العذاب الذى يحزنهم ويشقيهم. إنه شفاء ورحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإِيمان، فأشرقت بنور ربها، وتفتحت لتلقى ما فى القرآن من هدايات وإرشادات. إنه شفاء للنفوس من الأمراض القلبية كالحسد والطمع والانحراف عن طريق الحق، وشفاء لها من الأمراض الجسمانية. قال القرطبى عند تفسيره لهذه الآية اختلف العلماء فى كونه - أى القرآن - شفاء على قولين أحدهما أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل. الثانى أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه، وقد روى الأئمة - واللفظ للدار قطنى - " عن أبى سعيد الخُدرى قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية ثلاثين راكباً. قال فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا. قال فلدغ سيد الحى، فأتونا فقالوا أفيكم أحد يَرْقى من العقرب؟ قال قلت أنا نعم، ولكن لا أفعل حتى تعطونا فقالوا فإنا نعطيكم ثلاثين شاة. قال فقرأت عليه { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } سبع مرات فبرئ. فبعثوا إلينا بالنُّزل وبعثوا إلينا بالشاء. فأكلنا الطعام أنا وأصحابى، وأبوا أن يأكلوا من الغنم، حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال " ما يدريك أنها رقية "؟ قلت يا رسول الله، شئ ألقى فى روعى. قال " كلوا وأطعمونا من الغنم ". والذى تطمئن إليه النفس أن قراءة القرآن الكريم، والعمل بما فيه من هدايات وإرشادات وتشريعات.. كل ذلك يؤدى - بإذن الله تعالى - إلى الشفاء من أمراض القلوب ومن أمراض الأجسام. قال بعض العلماء " وقوله - تعالى - فى هذه الآية { مَا هُوَ شِفَآءٌ } يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه، كالشك والنفاق وغير ذلك. وكونه شفاء للأجسام إذا رقى عليه به، كما تدل له قصة الذى رقى الرجل اللديغ بالفاتحة، وهى صحيحة مشهورة ".

السابقالتالي
2 3