الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }

ذكر المفسرون فى سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات روايات منها ما جاء عن سعيد بن جبير أنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فى طوافه، فمنعته قريش وقالوا لا ندعك تستلم حتى تُلم بآلهتنا... فأبى الله - تعالى - ذلك، وأنزل عليه هذه الآية. وروى عطاء عن ابن عباس قال نزلت فى وفد ثقيف، أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا وقالوا متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يُهدى لها. وحرم وادينا كما حرمت مكة، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم... فنزلت هذه الآية. و { إن } فى قوله { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ... } مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. و { كاد } من أفعال المقاوبة. و { يفتنونك } من الفتنة، وأصلها الاختبار والامتحان. يقال فتن الصائغ الذهب، أى اختبره ليعرف جيده من خبيثه، ويقال فتنت الرجل عن رأيه، إذا أزلته عما كان عليه، وهو المراد هنا. والمعنى وإن شأن هؤلاء المشركين، أنهم قاربوا فى ظنهم الباطل، وزعمهم الكاذب، أن يخدعوك ويفتنوك - أيها الرسول الكريم - عما أوحينا إليك من هذا القرآن، لكى تفترى علينا غيره، وتتقول علينا أقوالاً ما أنزل الله بها من سلطان. وقوله { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } بيان لحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه أطاعهم فيما اقترحوه عليه. قال الجمل ما ملخصه " وإذًا حرف جواب وجزاء يقدر بلو الشرطية. وقوله { لاتخذوك } جواب قسم محذوف تقديره والله لاتخذوك، وهو مستقبل فى المعنى، لأن إذًا تقتضى الاستقبال، إذ معناها المجازاة، وهذا كقوله - تعالى -وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } أى ليظلوا. والمعنى لو أنك - أيها الرسول الكريم - وافقتهم على مقترحاتهم الفاسدة لأحبوا ذلك منك، ولصاروا أصدقاء لك فى مستقبل أيامك. وقد بين القرآن الكريم فى كثير من آياته، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن مقرحاتهم ورفضها، ولم يلتفت إليها، ومن ذلك قوله - تعالى -وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }. أى ولولا تثبيتنا إياك - أيها الرسول الكريم - على ما أنت عليه من الحق والصدق، بأن عصمناك من كيدهم لقاربت أن تميل ميلاً قليلاً، بسبب شدة احتيالهم وخداعهم.

السابقالتالي
2 3