الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

قال الآلوسى " قوله { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ... } أى جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم، ذوى كرم، أى شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر.. ". ومن مظاهر تكريم الله - تعالى - لبنى آدم، أنه خلقهم فى أحسن تقويم، كما قال - تعالى -لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وأنه ميزهم بالعقل والنطق والاستعدادات المتعددة، التى جعلتهم أهلاً لحمل الأمانة، كما قال - سبحانه -إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ... } وأنه سخر الكثير من مخلوقاته لمنفعتهم ومصلحتهم، قال - تعالى -ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } وأنه سجل هذا التكريم فى القرآن الكريم، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفاهم بذلك شرفا وفخرا. وقوله - تعالى - { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } بيان لنوع من أنواع هذا التكريم. أى وحملناهم بقدرتنا ورعايتنا فى البر على الدواب وغير ذلك من وسائل الانتقال كالقطارات والسيارات وغيرها، وحملناهم فى البحر على السفن وعابرات البحار التى تنقلهم من مكان إلى آخر. وقوله { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } بيان لنوع آخر من أنواع التكريم. أى ورزقناهم بفضلنا وإحساننا من طيبات المطاعم والمشارب والملابس، التى يستلذونها، ولا يستغنون عنها فى حياتهم. وقوله { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } بيان لنوع ثالث من أنواع التكريم، أى وبسبب هذا التكريم فضلناهم على كثير من مخلوقاتنا التى لا تحصى، تفضيلاً عظيماً. وعلى هذا التفسير يكون التفضيل لوناً من ألوان التكريم الذى منحه الله - تعالى - لبنى آدم. وبعضهم يرى أن هناك فرقاً بين التكريم والتفضيل، ومن هذا البعض الإِمام الفخر الرازى، فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه " لقد قال الله - تعالى - فى أول الآية { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } وقال فى آخرها { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }. ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار. والأقرب أن يقال إنه - تعالى - فضل الإِنسان على سائر الحيوانات بأمور خِلْقية طبيعية ذاتية، مثل العقل، والنطق، والصورة الحسنة.. ثم إنه - تعالى - عرضه بواسطة ذلك لاكتساب العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم، والثانى هو التفضيل ". وكأن الفخر الرازى يرى أن التكريم يرجع إلى الصفات الخلقية التى امتاز بها بنو آدم، أما التفضيل فيرجع إلى ما اكتسبوه من عقائد سليمة، وأخلاق قويمة.

السابقالتالي
2 3 4