الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

وقوله - سبحانه - { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ... } إخبار من الله - تعالى - لهم، بما سيكون منهم، حسب ما وقع فى علمه المحيط بكل شئ، والذى ليس فيه إجبار أو قسر، وإنما هو صفة انكشافية، تنبئ عن مآلهم وأحوالهم. قال أبو حيان والفعل { قضى } يتعدى بنفسه إلى مفعول، كقوله - تعالى - { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ.. } ولما ضُمِّن هنا معنى الإِيحاء أو الإِنفاذ تعدى بإلى أى وأوحينا أو أنفذنا إلى بنى إسرائيل فى القضاء المحتوم المثبوت وعن ابن عباس وأعلمناهم... والمراد بالكتاب التوراة، وقيل اللوح المحفوظ. واللام فى قوله { لتفسدن... } جواب قسم محذوف تقديره والله لتفسدن. ويجوز أن تكون جوابا لقوله - تعالى - { وقضينا... } لأنه مضمن معنى القسم، كما يقول القائل قضى الله لأفعلن كذا، فيجرى القضاء والقدر مجرى القسم... والمقصود بالأرض عمومها أو أرض الشام. و { مرتين } منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله { لتفسدن } من غير لفظه، والمراد لتفسدن إفسادتين وقوله - عز وجل - { ولتعلن.. } من العلو وهو ضد السفل، والمراد به هنا التكبر والتجبر والبغى والعدوان. والمعنى وأخبرنا بنى إسرائيل فى كتابهم التوراة خبراً مؤكدا وأوحينا إليهم بواسطة رسلنا، بأن قلنا لهم لتفسدن فى الأرض مرتين، ولتستكبرون على الناس بغير حق، استكبارا كبيرا، يؤدى بكم إلى الخسران والدمار. والتعبير عما يكون منهم من إفساد بالقضاء وأنه فى الكتاب، يدل على ثبوته، إذ أصل القضاء - كما يقول القرطبى - الإِحكام للشئ والفراغ منه. وأكد إفسادهم واستعلاءهم بلام القسم، للإِشعار بأنه مع ثبوته ووجوده فهو مصحوب بالتجبر والتكبر والبغى والعدوان. وكان من مظاهر إفسادهم فى الأرض تحريفهم للتوراة، وتركهم العمل بما فيها من أحكام، وقتلهم الأنبياء والمصلحين. ثم بين - سبحانه - أنه يسلط عليهم بعد إفسادهم الأول فى الأرض، من يقهرهم ويستبيح حرماتهم، ويدمرهم تدميرا، فقال - تعالى - { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً }. والمراد بالوعد الموعد المحدد لعقابهم بسبب إفسادهم فى الأرض، فالكلام على حذف مضاف، والضمير فى { أولاهما } يعود على المرتين المعبر عنهما بقول { لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ }. وقوله { فجاسوا } معطوف على { بعثنا } وأصل الجوس طلب الشئ باستقصاء واهتمام لتنفيذ ما من أجله كان الطلب. والمعنى فإذا حان وقت عقابكم - يا بنى إسرائيل - على أولى مرتى إفسادكم بعثنا عليكم ووجهنا إليكم { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أى أصحاب بطش شديد فى الحروب والقتال، فأذلوكم وقهروكم، وفتشوا عنكم بين المساكن والديار، لقتل من بقى منكم على قيد الحياة، وكان البعث المذكور وما ترتب عليه من قتلكم وسلب أموالكم، وهتك أعراضكم، وتخريب دياركم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9