الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }

وقوله - تعالى - { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ... } بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده، وفضله عليهم. و { يزجى } من الإِزجاء، وهو السوق شيئاً فشيئاً. يقال أزجى فلان الإِبل، إذا ساقها برفق، وأزجت الريح السحاب، أى ساقته سوقاً رفيقاً، ومنه قوله - تعالى -أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً... } و { الفلك } ما عظم من السفن. قال الجمل ما ملخصه ويستعمل لفظ الفلك للواحد والجمع، ويذكر ويؤنث. قال - تعالى - { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } فأفرد وذكر. وقال - سبحانه -وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } فأنث، ويحتمل الإِفراد والجمع. قال - تعالى -حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم... } فجمع.... و { البحر } يطلق على الماء الكثير عذباً كان أو ملحاً. وأكثر ما يكون إطلاقاً على الماء الملح. أى اذكروا - أيها الناس - لتعتبروا وتشكروا ربكم الذى من مظاهر نعمته عليكم، أنه يسوق لكم - بلطفه وقدرته - السفن التى تركبونها فى البحر لكى تطلبوا من وراء ركوبها الرزق الذى يصلح معاشكم، والذى هو لون من ألوان فضل الله عليكم. وقوله لتبتغوا من فضله، تعليل لإِزجاء الفلك، وتصريح بوجوه النفع التى تفضل الله - تعالى - بها عليهم. وقوله { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } تعليل ثان لهذا الإِزجاء. أى يزجى لكم الفلك فى البحر، لتطلبوا من وراء ذلك ما ينفعكم، ولأنه - سبحانه - كان أزلا وأبدا، بكم دائم الرحمة والرأفة. ثم انتقل - سبحانه - من الحديث عن مظاهر نعمه عليهم، فى حال سوق السفن ودفعها بهم فى البحر برفق وأناة، إلى بيان رعايته لهم فى حال اضطرابها وتعرضها للغرق، بسبب هيجان البحر وارتفاع أمواجه، فقال - تعالى - { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ... }. والمس اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإِحساس والإِصابة، والمراد به هنا ما يعتريهم من خوف وفزع، وهم يرون سفينتهم توشك على الغرق. والمراد بالضر هنا اضطراب الفلك، وارتفاع الأمواج، واشتداد العواصف، وتعرضهم للموت من كل مكان. المعنى وإذا أحاطت بكم الأمواج من كل جانب وأنتم على ظهور سفنكم وأوشكتم على الغرق.. ذهب وغاب عن خواطركم وأذهانكم، كل معبود سوى الله - عز وجل - لكى ينقذكم مما أنتم فيه من بلاء، بل إياه وحده - سبحانه - تدعون ليكشف عنكم ما نزل بكم من سوء. فالجملة الكريمة تصوير مؤثر بديع لبيان أن الإِنسان عند الشدائد والمحن لا يتجه بدعائه وضراعته إلا إلى الله - تعالى - وحده. قال القرطبى " { ضل } معناه تَلِف وفُقد وهى عبارة عن تحقير لمن يدعى إلهاً من دون الله.

السابقالتالي
2 3 4