الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

وقوله - سبحانه - { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ... } تذكير لبنى آدم بما جرى بين أبيهم وبين إبليس، ليعتبروا ويتعظوا، ويستمروا على عداوتهم لإِبليس وجنده. أى واذكروا - يا بنى آدم - وقت أن قلنا للملائكة { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم، فسجدوا امتثالاً لأمر الله - تعالى -، بدون تردد أو تلعثم، { إلا إبليس } فإنه أبى السجود لآدم - عليه السلام - { وقال } بتكبر وعصيان لأمر ربه - عز وجل - { أأسجد } وأنا المخلوق من نار { لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أى أأسجد لمن خلقته من طين، مع أننى أفضل منه. والتعبير بقوله { فسجدوا } بفاء التعقيب، يفيد أن سجودهم - عليهم السلام - كان فى أعقاب أمر الله - تعالى - لهم مباشرة، بدون تأخير أو تسويف. وقوله - تعالى - { قال أأسجد... } استئناف بيانى، فكأنه قيل فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال. والاستفهام فى { أأسجد } للإِنكار والتعجب، لأن يرى - لعنه الله - أنه أفضل من آدم. وقوله { طينا } منصوب بنزع الخافض أى من طين. وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم، بأساليب متنوعة، وفى آيات متعددة، منها قوله - تعالى -وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } وقوله - تعالى -فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } ثم فصل - سبحانه - ما قاله إبليس فى اعتراضه على السجود لآدم فقال { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }. ورأى هنا علمية فتتعدى إلى مفعولين، أولهما { هذا } والثانى محذوف لدلالة الصلة عليه، والكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله، والاسم الموصول { الذى } بدل من { هذا } أو صفة له، والمراد من التكريم فى قوله { كرمت على } التفضيل. والمعنى قال إبليس فى الرد على خالقه - عز وجل - أخبرنى عن هذا الإِنسان المخلوق من الطين، والذى فضلته على، لماذا فضلته على وأمرتنى بالسجود له مع أننى أفضل منه، لأنه مخلوق من طين، وأنا مخلوق من نار!! وجملة هذا الذى كرمت على، واقعة موقع المفعول الثانى. ومقصود إبليس من هذا الاستفهام، التهوين من شأن آدم - عليه السلام - والتقليل من منزلته. ولم يجبه - سبحانه - على سؤاله، تحقيراً له. وإهمالاً لشخصه، بسبب اعتراضه على أمر خالقه - عز وجل -. ثم أكد إبليس كلامه فقال { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }. إذ أن اللام فى قوله { لئن.

السابقالتالي
2 3 4 5