الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

والمقصود بالقرية فى قوله - تعالى - { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } قرى الكفار والظالمين، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، فيكون المعنى وما من قرية من قرى الظالمين، إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة بالموت أو الخراب، أو معذبوها عذاباً شديداً، يستأصل شأفتها، ويقطع دابرها، كما فعلنا مع قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. ومن المفسرين الذين ساروا على ذلك، الإِمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية هذا إخبار من الله - عز وجل -، بأنه قد حتم وقضى، بما كتب عنده فى اللوح المحفوظ، أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم، أو يعذبهم عذاباً شديداً، إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال - تعالى - عن الأمم الماضيةوَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ويرى آخرون، أن المقصود بالقرية هنا القرى كلها سواء أكانت للمؤمنين أم للكافرين. ومن المفسرين الذين ذهبوا إلى ذلك الآلوسى - رحمه الله - فقد قال قوله - تعالى - " { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ } الظاهر العموم، لأن { إن } نافية، و { من } زائدة لاستغراق الجنس. أى وما من قرية من القرى. { إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } بإماتة أهلها حتف أنوفهم { أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } بالقتل وأنواع البلاء.. وروى عن مقاتل أنه قال الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة... ". ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن هناك آيات كثيرة تؤيده، ومن ذلك قوله - تعالى -وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } وقوله - سبحانه -ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } وقوله - عز وجل -وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ولأن الله - تعالى - قيد الإِهلاك بكونه قبل يوم القيامة، وكونه كذلك يقتضى أنه للقرى الظالمة. إذ الإِهلاك يوم القيامة يشمل جميع القرى، سواء أكان أهلها مؤمنين أم كافرين، بسبب انقضاء عمر الدنيا. وقوله - سبحانه - { كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } تأكيد لقضاء الله النافذ، وحكمه الثابت. أى { كان ذلك } الإِهلاك والتعذيب، فى الكتاب، وهو اللوح المحفوظ { مسطوراً } أى مكتوباً وثابتاً. قال القرطبى " { مسطوراً } أى مكتوباً. والسطر الخط والكتابة، وهو فى الأصل مصدر. والسطر - بالتحريك - مثله، وجمعه أسطار، مثل سبب وأسباب، وجمع السطر - بسكون الطاء - أسطر وسطور مثل أفلس وفلوس. والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ ". ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على الأمة الإِسلامية، ورحمته بها، فقال - تعالى - { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6