الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } * { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

قال القرطبى قوله - تعالى - { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... } الآية نزلت فى عمر بن الخطاب. وذلك أن رجلا من العرب شتمه، وسبه عمر وهَمَّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله فيه { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }. وقيل " نزلت لما قال المسلمون ائذن لنا يا رسول الله فى قتال المشركين، فقد طال إيذاؤهم لنا فقال " لم أومر بعد بالقتال ". والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لعبادى المؤمنين، أن يقولوا عند محاورتهم لغيرهم، الكلمة التى هى أحسن، والعبارة التى هى أرق وألطف. وذلك لأن الكلمة الطيبة، تزيد فى المودة التى بين المؤمنين، وتكسر حدة العداوة التى بينهم وبين أعدائهم. قال - تعالى -وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } قال الآلوسى ومقول فعل الأمر محذوف، أى قل لهم قولوا التى هى أحسن يقولوا ذلك. فجزم يقولوا لأنه جواب الأمر. وإلى هذا ذهب الأخفش. وقال الزجاج إن قوله { يقولوا } هو المقول، وجزمه بلام الأمر محذوفة، أى قل لهم ليقولوا.... وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } تعليل للأمر السابق. أى إن الشيطان يتربص بكم، ويتلمس السقطات التى تقع من أفواهكم، والعثرات التى تنطق بها ألسنتكم، لكى يشيع الشر بينكم، ويبذر بذور الشر والبغضاء فى صفوفكم، ويهيج أعداءكم عليكم. وينزغ بمعنى يفسد. يقال نزغه - كنفعه - ينزغه، إذا طعن فيه واغتابه، وقوله { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } تعليل لحرص الشيطان على الإِفساد بينهم. أى إن الشيطان حريص على الإِفساد بين الناس، لأنه ظاهر العداوة لهم منذ القدم ولقد حذرنا الله - سبحانه - من الشيطان وكيده فى كثير من آيات القرآن الكريم، ومن ذلك قوله - تعالى -إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } وقوله - تعالى -يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه يأمر الله - تبارك وتعالى - عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا فى مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته.. وعداوته ظاهرة بينة، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ فى يده.

السابقالتالي
2 3