الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه تعالى لما تكلم أولا فى الإِلهيات، ثم أتبعه بذكر شبهاتهم فى النبوات، ذكر فى هذه الآيات شبهات القوم فى إنكار المعاد والبعث والقيامة... والرفات ما تكسر وبَلِىَ من كل شئ كالفتات. يقال رفت فلان الشئ يرفته - بكسر الفاء وضمها -، إذا كسره وجعله يشبه التراب. والاستفهام فى قوله - تعالى - { أئذا كنا... } وفى قوله { أئنا لمبعوثون.. } للاستبعاد والإِنكار. أى وقال الكافرون المنكرون لوحدانية الله - تعالى -، ولنبوة النبى صلى الله عليه وسلم، وللبعث والحساب، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل الإِنكار والاستبعاد، أئذا كنا يا محمد، عظاما بالية، ورفاتا يشبه التراب فى تفتته ودقته، أئنا لمعادون إلى الحياة مرة أخرى، بحيث تعود إلينا أرواحنا، وتدب الحياة فينا ثانية، ونبعث على هيئة خلق جديد، غير الذى كنا عليه فى الدنيا؟. وقولهم هذا، يدل على جهلهم المطبق، بقدرة الله - تعالى - التى لا يعجزها شئ، وكرر - سبحانه - الاستفهام فى الآية الكريمة، للإِشعار بإيغالهم فى الجحود والإِنكار. والعامل فى { إذا } محذوف، والتقدير أنبعث أو أنحشر إذا كنا عظاما ورفاتا، وقد دل على هذا المحذوف قوله - تعالى - { أئنا لمبعوثون }. وقوله - سبحانه - { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } أمر من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم فيما استبعدوه وأنكروه من إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم. أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل الرد على استبعادهم، والتحقير من شأنهم، والتعجيز لهم { كونوا } - إن استطعتم - { حجارة } كالتى تعبدونها من دون الله، { أو حديدا } كالذى تستعملونه فى شئون حياتكم، { أو } كونوا { خلقا } أى مخلوقا سوى الحجارة والحديد { مما يكبر } أى يعظم ويستبعد - { فى صدوركم } المظلمة - قبوله للحياة، قل لهم كونوا أى شئ من ذلك أو غيره إن استطعتم، فإن الله - تعالى - لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى، لكى يحاسبكم على أعمالكم، ويجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب. فالمقصود من الجملة الكريمة، بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ.. قال الجمل أجابهم الله - تعالى - بما معناه تحولوا بعد الموت إلى أى صفة تزعمون أنها أشد منافاة للحياة، وأبعد عن قبولها، كصفة الحجرية والحديدية ونحوهما. فليس المراد الأمر، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله - تعالى - عن الإِعادة. وقوله - تعالى - { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا } أى فسيقولون لك - أيها الرسول الكريم - من يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نكون حجارة أو حديدا أو غيرهما؟.

السابقالتالي
2 3