الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } * { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً }

والخطاب فى قوله - تعالى - { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ... } للرسول صلى الله عليه وسلم وقوله { حجابا } من الحجب بمعنى المنع. قال صاحب المصباح حجبه حجبا - من باب قتل - منعه. ومنه قيل للستر حجاب لأنه يمنع المشاهدة. وقيل للبواب حاجب، لأنه يمنع من الدخول. والأصل فى الحجاب جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل فى المعانى فقيل العجز حاجب، أى بين الإِنسان ومراده... وقوله { مستورا } ساترا، فهو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل. كميمون بمعنى يامن. ومشئوم بمعنى شائم. واختار بعضهم أن مستورا على معناه الظاهر، من كونه اسم مفعول، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه، أو مستورا به القارئ فلا يراه غيره، ويجوز أن يكون مستورا، أى ذا ستر فهو للنسب كمكان مهول ذو هول.. وللمفسرين فى تفسير هذه الآية أقوال، أشهرها قولان أولهما يرى أصحابه، أن المراد بالحجاب المستور ما حجب الله به قلوب هؤلاء الكافرين عن الانتفاع بهدى القرآن الكريم، بسبب جحودهم وجهلهم وإصرارهم على كفرهم. فهو حجاب معنوى خفى، حال بينهم وبين الانتفاع بالقرآن. فهم يستمعون إليه، ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له، ويمانعون فطرتهم عن التأثر به، فكان استماعهم له كعدمه، وعاقبهم الله على ذلك بأن طمس بصائرهم عن فقهه. والمعنى وإذا قرأت - أيها الرسول الكريم - القرآن الهادى إلى الطريق التى هى أقوم، جعلنا - بقدرتنا، ومشيئتنا -، بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة، حجابا يحجبهم ويمنعهم عن إدراك أسراره وهداياته، وساترا بينك وبينهم، بحيث لا يصل القرآن إلى قلوبهم وصول انتفاع وهداية. ويشهد لهذا المعنى قوله - تعالى -وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ومن المفسرين الذين اكتفوا بهذا القول، فلم يذكروا غيره، الإِمام البيضاوى، فقد قال - رحمه الله قوله وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم { مستورا } ذا ستر كقوله - تعالى -إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أى مستورا عن الحس... أما القول الثانى فيرى أصحابه أن المراد بالحجاب المستور، أن الله - تعالى - يحجب نبيه صلى الله عليه وسلم عن أعين المشركين، بحيث لا يرونه فى أوقات معينة، لحكم منها النجاة من شرورهم. فيكون المعنى وإذا قرأت القرآن - أيها الرسول الكريم - جعلنا بينك وبين هؤلاء الكافرين، حجابا ساترا لك عنهم بحيث لا يرونك، عندما تكون المصلحة فى ذلك. وقد استشهد أصحاب هذا القول بما أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبى بكر قالت

السابقالتالي
2 3 4 5