الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } * { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

قال أبو حيان فى البحر " لما أمر الله - تعالى - ببر الوالدين، أمر بصلة القرابة. قال الحسن نزلت فى قرابة النبى صلى الله عليه وسلم. والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقولهإِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ... } وألحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه. قال نحوه ابن عباس وعكرمة والحسن وغيرهم ". والمراد بذوى القربى من تربطك بهم صلة القرابة سواء أكانوا من المحارم أم لا. والمسكين هو من لا يملك شيئا من المال، أو يملك ما لا يسد حاجته، وهذا النوع من الناس فى حاجة إلى العناية والرعاية، لأنهم فى الغالب يفضلون الاكتفاء بالقليل، على إراقة ماء وجوههم بالسؤال. وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس المسكين الذى يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال الذى لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا ". وابن السبيل هو المسافر المنقطع عن ماله سمى بذلك - كما يقول الآلوسى - لملازمته السبيل - أى الطريق - فى السفر. أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته. وهذا النوع من الناس - أيضا - فى حاجة إلى المساعدة والمعاونة، حتى يستطيع الوصول إلى بلده. وفى هذا الامر تنبيه إلى أن المسلمين وإن اختلفت أوطانهم ينبغى أن يكونوا فى التعاطف والتعاون على متاعب الحياة كالأسرة الواحدة. والمعنى وأعط - أيها العاقل - ذوى قرباك حقوقهم الثابتة لهم من البر، وصلة الرحم، والمعاونة، والزيارة، وحسن المعاشرة، والوقوف إلى جانبهم فى السراء والضراء، ونحو ذلك مما توجبه تعاليم دينك الحنيف. وأعط - كذلك - المسكين وابن السبيل حقوقهما التى شرعها الله - تعالى - لهما، من الإِحسان إليهما، ومعاونتهما على ما يسد حاجتهما. وقدم - سبحانه - الأقارب على غيرهم، لأنهم أولى بالمعروف، ولأن إعطاءهم إحسان وصلة رحم. روى الإِمام أحمد والترمذى والنسائى وغيرهم، عن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة على المسكين صدقة. وعلى ذى الرحم اثنتان صدقة وصلة ". وقوله - سبحانه - { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } نهى عن وضع المال فى غير موضعه الذى شرعه الله - تعالى - مأخوذ من تفريق البذر وإلقائه فى الأرض كيفما كان من غير تعهد لمواقعه، ثم استعير لتضييع المال فى غير وجوهه. قال صاحب الكشاف التبذير تفريق المال فيما لا ينبغى، وإنفاقه على وجه الإِسراف، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها، وتبذر أموالها فى الفخر والسمعة، وتذكر ذلك فى أشعارها، فأمر الله - تعالى - بالنفقة فى وجوهها، مما يقرب منه ويزلف.

السابقالتالي
2 3 4