الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } * { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

قال أبو حيان قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ.. } لما ذكر - سبحانه - القرآن وأنه هاد إلى الطريقة المستقيمة، ذكر ما أنعم به مما لم يمكن الانتفاع إلا به، وما دل على توحيده من عجائب العالم العلوى. وأيضا لما ذكر عجلة الإِنسان، وانتقاله من حال إلى حال ذكر أن كل هذا العالم كذلك فى الانتقال لا يثبت على حال، فنور عقب ظلمة وبالعكس، وازدياد نور وانتقاص آخر. والمراد بالآيتين هنا العلامتان الواضحتان، الدالتان على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته. وقوله { فمحونا } من المحو بمعنى إزالة أثر الشئ، يقال محا فلان الشئ محوا - من باب قتل - إذا أزال أثره. وللعلماء فى تفسير هذه الآية اتجاهات أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه، أن المراد بالآيتين نفس الليل والنهار، وأن الكلام ليس فيه حذف. فيكون المعنى وجعلنا الليل والنهار - بهيئاتهما الثابتة، وتعاقبهما الدائم، واختلافهما طولا وقصرا - آيتين كونيتين كبيرتين، دالتين على أن لهما صانعا قادرا، حكيما، هو الله رب العالمين. وقوله - سبحانه - { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } أى فجعلنا الآية التى هى الليل. ممحوة الضوء، مظلمة الهيئة، مختفية فيها الأشياء، ساكنة فيها الحركات. وقوله - تعالى - { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } أى وجعلنا الآية التى هى النهار مضيئة، تبصر فيها الأشياء وترى بوضوح وجلاء. وعلى هذا الاتجاه، تكون إضافة الآية إلى الليل والنهار من إضافة الشئ إلى نفسه، مع اختلاف اللفظ، تنزيلا لاختلاف اللفظ منزلة الاختلاف فى المعنى، كما فى قوله - تعالى -شهر رمضان } فرمضان هو نفس الشهر. وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن الكلام على حذف مضاف، وأن المراد بالآيتين الشمس والقمر، فيكون المعنى وجعلنا نيرى الليل والنهار - وهما الشمس والقمر - آيتين دالتين على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته، فمحونا آية الليل - وهى القمر -، بأن أزلنا عنه شعاعه وضياءه، ولم نجعله كالشمس فى ذلك، وجعلنا آية النهار - وهى الشمس - مبصرة، أى ذات شعاع وضياء يبصر فى ضوئها الشئ على حقيقته. وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين دون أن يرجح بينهما فقال قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ.. } فيه وجهان أحدهما أن يراد أن الليل والنهار آيتان فى أنفسهما، فتكون الإِضافة فى آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أى فمحونا الآية التى هى الليل، وجعلنا الآية التى هى النهار مبصرة. والثانى أن يراد وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر... أى فمحونا آية الليل التى هى القمر، حيث لم نخلق له شعاعا كشعاع الشمس تبصر به الأشياء، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر فى ضوئها كل شئ.

السابقالتالي
2 3 4 5