الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }

والمراد بالإِنسان هنا الجنس وليس واحدا معينا. قال الآلوسى وقوله { دعاءه بالخير } أى دعاء كدعائه بالخير، فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية. والمعنى ويدعو الإِنسان حال غضبه وضجره، على نفسه، أو على غيره، { بالشر } كأن يقول " اللهم أهلكنى، أو أهلك فلانا.. ". { دعاءه بالخير } أى يدعو بالشر على نفسه أو على غيره، كدعائه بالخير، كأن يقول اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين. قال ابن كثير يخبر - تعالى - عن عجلة الإِنسان، ودعائه فى بعض الأحيان على نفسه أو ولده، أو ماله، { بالشر } أى بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه، كما قال - تعالى -.وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.. } وفى الحديث " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها ". وقيل المراد بالإِنسان هنا الكافر، أو الفاسق الذى يدعو الله - تعالى - بالشر، كأن يسأله بأن ييسر له أمرا محرما كالقتل والسرقة والزنا وما يشبه ذلك. وقد أشار القرطبى إلى هذا الوجه بقوله " وقيل نزلت فى النضر بن الحارث، كان يدعو ويقول - كما حكى القرآن عنه -ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل هو أن يدعو فى طلب المحظور، كما يدعو فى طلب المباح. كما فى قول الشاعر
أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزرى المُسْبَلِ واسجل بالليل حتى الصباح وأتلوا من المحكَمِ المنزلِ عسى فارج الهم عن يوسفٍ يُسخر لى ربة المَحْمَلِ   
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأنه المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وهم أدرى بتفسير كتاب الله من غيرهم. قال ابن جرير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية عن ابن عباس قال فى قوله - تعالى - { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ.. } يعنى قول الإِنسان اللهم العنه واغضب عليه، فلو يعجل له الله ذلك كما يعجل له الخير لهلك... وقال قتادة يدعو على ماله فيلعن ماله، ويدعو على ولده، ولو استجاب الله له لأهلكه. وقال مجاهد ذلك دعاء الإِنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ولا يحب أن يجاب. وقوله - تعالى - { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } بيان للسبب الذى حمل الإِنسان على أن يدعو بالشر كما يدعو بالخير. والعجول من العجل - بفتح العين والجيم - وهو الإِسراع فى طلب الشئ قبل وقته. يقال عجل - بزنة تعب - يعجل فهو عجلان، إذا أسرع. أى وكان الإِنسان متسرعا فى طلب كل ما يقع فى قلبه، ويخطر بباله، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر، ولا يتأمل تأمل المتدبر. وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى -خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته، وسعة رحمته بعباده، ومجازاتهم على أعمالهم يوم القيامة فقال - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }.