الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ } اختلف العلماء فى تأويل العدل والإِحسان، فقال ابن عباس العدل لا إله إلا الله، والإِحسان أداء الفرائض. وقيل العدل الفرض. والإِحسان النافلة، وقال على بن أبى طالب العدل الإِنصاف. والإحسان التفضل. وقال ابن العربى العدل بين العبد وربه إيثار حقه - تعالى - على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر. وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعه ما فيه هلاكها.. وأما العدل بينه وبين غيره فبذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل أو كثر، والإِنصاف من نفسك لهم بكل وجه. وأما الإِحسان فهو مصدر أحسن يحسن إحسانا. ويقال على معنيين أحدهما متعد بنفسه، كقولك أحسنت كذا، أى حسنته وأتقنته وكملته، وهو منقول بالهمزة من حسن الشئ. وثانيهما متعد بحرف جر، كقولك أحسنت إلى فلان، أى أوصلت إليه ما ينتفع به. وهو فى هذه الآية مراد بالمعنيين معا... ومن هذا الكلام الذى نقلناه بشئ من التلخيص عن الإِمام القرطبى، يتبين لنا أن العدل هو أن يلتزم الإِنسان جانب الحق والقسط فى كل أقواله وأعماله، وأن الإِحسان يشمل إحسان الشئ فى ذاته سواء أكان هذا الشئ يتعلق بالعقائد أم بالعبادات أم بغيرهما، كما يشمل إحسان المسلم إلى غيره. فالإِحسان أوسع مدلولا من العدل لأنه إذا كان العدل معناه أن تعطى كل ذى حق حقه، بدون إفراط أو تفريط، فإن الإِحسان يندرج تحته أن تضيف إلى ذلك العفو عمن أساء إليك، والصلة لمن قطعك، والعطاء لمن حرمك. وإيثار صيغة المضارع فى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ... } لإِفادة التجدد والاستمرار. ولم يذكر - سبحانه - متعلقات العدل والإِحسان ليعم الأمر جميع ما يعدل فيه، وجميع ما يجب إحسانه وإتقانه من أقوال وأعمال، وجميع ما ينبغى أن تحسن إليه من إنسان أو حيوان أو غيرهما. وقوله - تعالى - { وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } فضيله ثالثة معطوفة على ما قبلها من عطف الخاص على العام، إذ هى مندرجة فى العدل والإِحسان. وخصها - سبحانه - بالذكر اهتماما بأمرها، وتنويها بشأنها، وتعظيما لقدرها. والإِيتاء مصدر بمعنى الإِعطاء، وهو هنا مصدر مضاف لمفعوله. والمعنى إن الله - يأمركم - أيها المسلمون - أمرا دائما وواجبا، أن تلتزموا الحق والإِنصاف فى كل أقوالكم وأفعالكم وأحكامكم، وأن تلتزموا التسامح والعفو والمراقبة لله - تعالى - فى كل أحوالكم. كما يأمركم أن تقدموا لأقاربكم على سبيل المعاونة والمساعدة، ما تستطيعون تقديمه لهم من خير وبر.. لأن هذه الفضائل متى سرت بينكم، نلتم السعادة فى دينكم ودنياكم، إذ بالعدل ينال كل صاحب حق حقه، وبالإِحسان يكون التحاب والتواد والتراحم، وبصلة الأقارب يكون التكافل والتعاون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6